الرحامنة.. سكورة الحدرة بين إرادة الحياة وإهمال المسؤولين.. إلى متى الغياب؟

بقلم: محمد الحجوي

في قلب إقليم الرحامنة، حيث تشتد حرارة الشمس وتجفّ الأراضي العطشى، تقع جماعة سكورة الحدرة، شاهدة على سنوات من الإهمال المتواصل. هذه المنطقة، التي تمتلك مقومات طبيعية تؤهلها لتكون قطبًا تنمويًا، تتحول شيئًا فشيئًا إلى نموذج صارخ للإقصاء والتهميش، يعيش سكانها على هامش الخدمات الأساسية وحقوق المواطنة.

تبدأ معاناة أهالي سكورة الحدرة من غياب أبسط مقومات الإدارة المحلية، حيث تفتقر الجماعة إلى مقر إداري خاص بها، مما يجبرها على مشاركة المقر مع جماعة الصخور الرحامنة المجاورة.

هذا الوضع غير المسبوق يحوّل إنجاز أبسط المعاملات الإدارية إلى رحلة مضنية، تكلف المواطنين وقتًا ومالًا إضافيًا. فكل تنقل لإتمام معاملة يفقدهم ما لا يقل عن 30 درهمًا، وهو مبلغ ليس هينًا بالنسبة لسكان يعيشون في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

لا يختلف الوضع الصحي عن سابقه، فمركز الصحة الوحيد في المنطقة يشبه مبنى مهجورًا أكثر مما يشبه مؤسسة صحية. لا أطباء، ولا أدوية، ولا خدمات تُذكر، باستثناء نقطة تلقيح للأطفال، مما يعمق شعور السكان بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

وأمام هذا الواقع المؤلم، لا يجد المرضى سوى خيارين مريرين: إما تحمل آلامهم، أو خوض رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أقرب مستشفى، قد لا يصلون إليها أحياء.

شبكة الطرق في المنطقة تروي قصة أخرى من الإهمال، حيث ظل الطريق الرئيسي غير مكتمل لسنوات، محوّلًا إياه إلى شريان معطوب يعزل القرى عن بعضها. في زمن تتسابق فيه الدول لبناء البنى التحتية الحديثة، لا يزال أبناء سكورة الحدرة يعانون من طرق ترابية تتحول إلى مستنقعات مع أول هطول للأمطار، مما يعيق حركتهم ويُصعّب وصولهم إلى الخدمات الأساسية.

في عصر الثورة التكنولوجية، تعيش دواوير سكورة الحدرة عزلة رقمية قاسية، حيث تضعف شبكات الهاتف أو تنعدم تمامًا، مما يحول إجراء اتصال بسيط إلى مهمة شبه مستحيلة. هذا الواقع يحرم الطلاب من فرص التعلم عن بعد، ويمنع التجار من تسويق منتجاتهم رقميًا، ويقطع الصلة بين الأهالي وأقاربهم في المدن الأخرى، مما يزيد من طين العزلة بلة.

رغم كل هذه المعاناة، تزخر المنطقة بمقومات اقتصادية كبيرة يمكن أن تحولها إلى قطب تنموي حقيقي. فوجود واد أم الربيع يشكل فرصة ذهبية للزراعة والسياحة، كما أن قربها من سد المسيرة يفتح الباب أمام مشاريع تنموية كبرى. لكن كل هذه الإمكانيات تظل حبيسة الإهمال وغياب التخطيط الاستراتيجي.

الحلول ليست مستحيلة، بل تحتاج فقط إلى إرادة سياسية حقيقية. إنشاء ملحقات إدارية، تأهيل المركز الصحي، إكمال الطريق الرئيسي، تحسين شبكة الاتصالات، واستثمار المقومات الطبيعية كلها خطوات قابلة للتنفيذ إذا توفرت النوايا الصادقة لتحسين أوضاع السكان.

سكورة الحدرة ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي اختبار حقيقي لمدى جدية سياسة القرب التي تتبناها الدولة. فاستمرار إهمالها يعني ترسيخ فكرة المواطنة الناقصة، ويعكس غياب العدالة المجالية التي تُعدّ أحد أهم ركائز التنمية المستدامة. ويبقى السؤال الأبرز: إلى متى سيظل أبناء سكورة الحدرة ضحايا للتهميش؟ وإلى متى ستظل أصواتهم غائبة وسط رمال الإهمال والصمت؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*