
أثار مقطع فيديو صادم، تم تداوله بشكل واسع عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، موجة استنكار في أوساط الرأي العام المحلي والوطني. الفيديو يوثق تعرض شخص موقوف لمعاملة وُصفت بـ”المهينة” داخل سيارة للشرطة، ما دفع هيئات حقوقية وناشطين إلى المطالبة بفتح تحقيق عاجل للكشف عن ملابسات الحادث.
ويتعلق الأمر، حسب المعطيات المتداولة، بمحامٍ جرى توقيفه في حالة سكر طافح، وهي الواقعة التي زادت من حدة الجدل، نظراً لكون الموقوف ينتمي إلى هيئة تعتبر إحدى ركائز منظومة العدالة، ما يفرض تعاملاً أكثر حرصاً على احترام القانون وضمان حقوق الدفاع.
اللافت في القضية لا يقتصر فقط على محتوى الفيديو، بل يتعداه إلى مصدره وطريقة توثيقه. فقد صُوّر المقطع من داخل سيارة أمنية، بواسطة هاتف محمول، وليس عبر الكاميرات الرسمية المفترض استخدامها من طرف عناصر الشرطة أو تلك المثبتة في مرافق الاحتجاز. هذا التفصيل أثار شكوكا جدية بشأن مدى احترام الضوابط القانونية والتنظيمية في توثيق التدخلات الأمنية، كما سلط الضوء على ثغرات محتملة في ضبط استخدام الوسائل الشخصية خلال أداء المهام الأمنية.
مصدر الفيديو يُفترض أن يكون من داخل الجهاز الأمني ذاته، وهو ما يطرح تساؤلات مقلقة حول مدى الالتزام بالسرية المهنية وحماية معطيات التوقيف والتحقيق. تسريب مقطع بهذه الحساسية من داخل مؤسسة يفترض فيها الحفاظ على أعلى درجات السرية والانضباط، قد يُعد مؤشراً على خلل هيكلي أو تنظيمي في منظومة العمل الداخلي.
على الصعيد القانوني، يؤكد مختصون أن التشريعات المغربية تمنع تصوير أو نشر مقاطع لأشخاص في وضعية توقيف، حتى وإن تم توثيقها بوسائل قانونية، ما لم يصدر أمر قضائي باستخدامها كدليل داخل المحكمة. وبالتالي، فإن تداول هذا الفيديو على المنصات الاجتماعية لا يمثل فقط انتهاكاً واضحاً للحق في الخصوصية، بل يُعد أيضاً خرقاً صارخاً لمبدأ سرية البحث القضائي، ما يستدعي تدخلاً قضائياً صارماً.
في ظل هذه التطورات، توالت الدعوات الموجهة للنيابة العامة المختصة من أجل فتح تحقيق شفاف ونزيه لا يقتصر فقط على ظروف توقيف المحامي، بل يشمل أيضاً ملابسات تصوير الفيديو، والجهة التي تقف وراء تسريبه، مع ضرورة تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة في حال ثبوت أي خروقات أو تجاوزات، سواء في طريقة التوقيف أو في المساس بسرية الإجراءات.
القضية، بكل أبعادها القانونية والتنظيمية، تفتح من جديد النقاش حول مدى نجاعة الضوابط الداخلية داخل المؤسسات الأمنية، وأهمية تطوير آليات الرقابة والمحاسبة لضمان احترام القانون وحقوق الأفراد، بمن فيهم أولئك الذين يوجدون في وضعية توقيف.
Be the first to comment