
بقلم: محمد الحجوي
أصبحت مقبرة سيدي صالح في قلعة السراغنة محط أنظار الجميع، حيث لا حديث بين زوارها إلا عن تناقص مساحتها بشكل مقلق، وما قد يترتب على ذلك من أزمة دفن في الأشهر المقبلة. فكل من تطأ قدماه المكان يدرك أن المشكلة باتت وشيكة، ولا مفر من مواجهتها.
وقد نبه العديد من سكان المدينة إلى خطورة الوضع، وتم رفع الانشغال إلى المسؤولين وأعضاء المجلس البلدي، إلا أن أي جهة لم تبادر حتى الآن باتخاذ إجراءات عملية لتوفير مساحة بديلة. بينما يطالب البعض بحلول عاجلة، يقترح آخرون أفكاراً وتصورات للتعامل مع الأزمة قبل تفاقمها.
وفي هذا الإطار، تساءل بعض المنتخبين والفاعلين المحليين عن مصير المساحات المتبقية للدفن، التي تتقلص باضطراد، مؤكدين أن التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد أماكن شاغرة لدفن الموتى، لدرجة أن الفراغات بين القبور أصبحت تُستغل، مما يمس بكرامة الأموات.
كما تقدم عدد من المواطنين، بمن فيهم محسنون، بمبادرة تقترح استخدام أراضي الجماعات السلالية غير القابلة للاستغلال الزراعي أو العمراني، وتحويلها إلى مقابر جديدة بأسعار رمزية، مع التزامهم بتمويل تهيئتها وفق معايير عصرية تحفظ كرامة المتوفين.
في قلب قلعة السراغنة، حيث تُختزل الحياة والموت في مساحات ضيقة، تظل أزمة الدفن شاهدًا صامتًا على إهمال يُثقل كاهل الأحياء قبل الأموات. فالمقبرة التي كانت تُضمّ الجثامين بين أحضانها برحمة، صارت اليوم تُذكّر الجميع بأن زمن الوداع قد يقترب من نهايته، ليس بسبب انعدام الموت، بل بسبب ضيق الأرض التي تستقبله.
والحال أن الصمت الرسمي، والتسويف في اتخاذ القرارات، يُضيفان جرحًا جديدًا إلى جراح أهل المدينة، الذين باتوا يتساءلون: أين تذهب أرواح أحبائهم إذا امتلأت الأرض؟ هل سيُدفنون في الذاكرة فقط، لأن المكان رفضهم؟
في هذه اللحظات التي تُقاس فيها إنسانية المجتمع بمدى احترامه للموتى، تبقى قلعة السراغنة أمام مفترق طرق: إما أن تتحول الأزمة إلى قصة نجاح تُحكى بالتضامن والحلول العاجلة، أو إلى مأساة تُسجّل في سجلّ الإهمال. والوقت، كشاهد الزمن، لا يرحم.
Be the first to comment