وأخيرا، قالت المحكمة الإدارية كلمتها وأنصفت أصحاب مشروع المركز التجاري النموذجي بساحة جامع الفناء “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” بعد أن حكمت بإلغاء قرار المجلس الجماعي ووراءه والي الجهة بسحب رخصة البناء بعدما اعتبرته شططا في استعمال السلطة كما جاء في منطوق الحكم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه والكل يثق في نزاهة القضاء المغربي، من يقف وراء عرقلة مشروع استثماري مرخص يحترم الخصوصيات التاريخية للساحة وميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة؟ ولماذا لم يتم الرفض منذ البداية وعدم الترخيص قبل أن تضخ أموال طائلة تعد بالملايير كلفت قروضا من الأبناك ، مما قد يتسبب في أزمة مالية خانقة لأصحاب هذا المشروع في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، والذي لاشك أنه كان سيعود بالنفع على المدينة الحمراء. ثم من سيتحمل هذه الخسائر الفادحة التي تسببت فيها جرة قلم غير محسوبة ؟ اسئلة ستظل خالدة في ذاكرة الرأي العام المراكشي وهم يرون بأم أعينهم مباني مجاورة للمشروع لاتحترم معايير ميثاق الهندسة المعمارية الخاصة بالمدينة العتيقة ولا خصوصيات الساحة وزيد على ذلك.
وتعود تفاصيل القضية ، بعد قيام شركة “الجواهر السبعة Les Sept Perles” ببناء المركز التجاري “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” بالمدينة العتيقة لمراكش، وتحديدا بساحة جامع لفنا وذلك منذ سنة 2016. هذا المشروع العائلي الذي يعمل على إنجازه مستثمران مغربيان، مغربية مقيمة بالخارج وفاعل اقتصادي بلجيكي، والذي كان افتتاحه مبرمجا خلال شهر يونيو 2020.
يتوفر المشروع على جميع التراخيص اللازمة واستمرت الأشغال في تنسيق تام مع مختلف الإدارات المتدخلة في التعمير إلى غاية يوم الأحد 19 يناير 2020. حيث انتقل والي جهة مراكش-آسفي وعامل عمالة مراكش، على الساعة الثانية صباحًا، إلى المدينة العتيقة للاستطلاع حول مشروع بناء المركز التجاري. وبعث في نفس اليوم برسالة إلى السيد رئيس الجماعة الحضرية لمراكش من أجل القيام بسحب رخصة بناء المركز التجاري “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place”، وهو الطلب الذي تمت الاستجابة له بتوقيع الوثيقة المطلوبة.
وفي يومي الاثنين 20 والثلاثاء 21 يناير 2020، توافدت لجنتان على التوالي على ورش المشروع، وتم تحرير محضرين بذريعة وجود خروقات، وبناء على ذلك، تم توقيف الأشغال.
وتبعا لذلك، وجّه أصحاب المشروع عدة مراسلات إلى والي جهة مراكش-آسفي وإلى عمدة مدينة مراكش وإلى رئيس الملحقة الإدارية لجامع لفنا، مطالبين بإعادة فتح ورش الأشغال، وملتمسين توضيحات وتفسيرات بشأن المخالفات المتضمنة بمحضري المعاينة سالفي الذكر، مع التساؤل حول سبل استرداد رخصة البناء. إلا أن كل هذه الطلبات والملتمسات ظلت دون رد أو جواب أو متابعة.
وخلال اللقاء الذي عقد مع والي الجهة يوم 11 فبراير 2020، تبين بالواضح للمستثمرين المغاربة والبلجيكيين أن المسؤول الأول بالجهة، والمكلف بتنمية الاستثمارات بها، يقف ضد إتمام هذا المشروع المنتج والموفر للعديد من فرص الشغل والذي يهدف إلى تشجيع وتثمين منتوجات الصناعة التقليدية المغربية. كما أنه خلال هذه المقابلة التي دامت أكثر من 45 دقيقة، أخبر الوالي أصحاب المشروع بوجود ظهائر وقوانين لا ترخص بإنجاز بعض المعالم أو وضع بعض التجهيزات. بالنسبة للوالي، تلك التبريرات تشكل نقاطا سلبية ستحول دون إتمام إنجاز مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place”. إثر ذلك طالبه المستثمرون بمدهم بنسخ من تلك الظهائر والقوانين، فقبل الوالي هذا الطلب وأعطى تعليماته لمعاونيه الأقربين لتمكينهم من تلك النسخ. لكن وإلى غاية اليوم، لم يتمّ التوصل بأية وثيقة في الموضوع.
ولقد تفاجأ أصحاب المشروع الذين حضروا هذه المقابلة، بترديد الوالي للعديد من العبارات التي توحي بممانعته لاستكمال هذا المشروع. وقد قام المعنيون بتذكيره أن مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” يعد من المشاريع القليلة بساحة جامع لفنا التي تحترم المواصفات المعمارية؛ وأنه بالمدينة العتيقة بشكل عام، وبساحة جامع لفنا على وجه الخصوص، تتواجد العديد من البنايات التي تمّ تشييدها حديثا لا تحترم التراث المعماري ولا الطابع التاريخي للمكان، ولا تستجيب لقوانين التخطيط الحضري، ناهيك عن منشآت أخرى ذات علو غير مرخص به.
إزاء هذه المماطلة، التجأ مالكو المركز التجاري إلى المحكمة الإدارية بمراكش من أجل إلغاء قرار سحب رخصة البناء. وقد استغرقت مسطرة الدعوى عدة شهور. وبررت الجماعة الحضرية لمراكش، من خلال محاميها، قرارها بوجود مخالفات بالنظر للتصميم المرخص به، وتواجد المشروع في موقع مصنف تراثا عالميا من طرف منظمة اليونيسكو، دون توضيح أين يخالف المشروع مواصفات هذه المنظمة الأممية؟؟؟ كما التمست من المحكمة رفض طلب أصحاب المشروع بسبب تقديمهم للشكاية خارج أجل 60 يوما القانونية.
من جهتها، بررت ولاية جهة مراكش-آسفي قرار سحب رخصة البناء بسبب وجود مخالفات تتعلق بمشروع آخر، أحد مالكيه يحمل نفس اسم أحد شركاء مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” (على الرغم من اختلاف أرقام التراخيص وكذا الأسماء التجارية للشركتين!!!)، كما أشارت، من جهة أخرى إلى وجود بعض التغييرات للتصاميم.
طرفا الدعوة المرتبطة بنفس الموضوع (الولاية والبلدية)، اختلفا في دفوعاتهما وقدّما تبريرات مختلفة، علما أن الولاية اتخذت قرار سحب رخصة البناء على أساس مخالفات لوحظت في مشروع آخر!!!
وقد أوضح دفاع مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” أنه حتى في حالة وجود تغييرات في التصاميم، فذلك لا يبرر سحب رخصة البناء. وكان من الواجب اتّباع المساطر القانونية المتعلقة بملاءمة التصاميم وفقا لمقتضيات قوانين التعمير. حيث إن التشريعات في مجال البناء والتعمير تؤطر ذلك دون اللجوء إلى الإجراءات القصوى كسحب رخصة البناء. هذا القرار الأخير سبق قرار وقف الأشغال، وهو أمر غير موضوعي على الإطلاق ولا منطقي بالنظر لتعاقب الأحداث. كما تفاجأ دفاع المستثمرين، بكون ولاية مراكش-آسفي قامت بالخلط بين مشروعين مختلفين وتحاسب أحدهما على أساس الخروقات التي سجلتها بالمشروع الآخر. وأوضح، بأدلّة داعمة، أن الطلب تم تقديمه إلى المحكمة الإدارية داخل الآجال القانونية أي 60 يومًا.
بعد المداولة، أصدرت المحكمة الإدارية لمراكش (ابتدائيا) في 31 ديسمبر 2020، الحكم التالي:
من حيث الشكل: قبول الطلب.
من حيث المضمون: إلغاء قرار سحب رخصة البناء.
من جهة أخرى، اعتبرت المحكمة هذا القرار شططا في استعمال السلطة.
بالنسبة لأصحاب مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place”، فقد عمل الوالي على سحب رخصة البناء لأسباب مجهولة حيث اتخذ قرارا متسرعا ثم سعى إلى تبريره. وبما أنّ هذا يعد شططا في استعمال للسلطة، فحيثيات هذا القرار لا تستند على أية حجج قانونية.
ومن جهة أخرى، فإن الغلاف المالي لهذا الاستثمار يقدر بـ 70 مليون درهم، وسيوفر 130 فرصة عمل مباشرة وأكثر من 600 غير مباشرة. كما سيمكّن، في ظل هذه الفترة الصعبة التي تشهد ركودا اقتصاديا بسبب وباء كوفيد-19، من دعم التشغيل وإعطاء الفرصة للعديد من شركات المناولة للعمل والنمو والمحافظة على أجرائهم.
إضافة إلى كل ما سبق، فإنّ مثل هذا القرار، الذي اعتبرته المحكمة الإدارية لمراكش شططا في استعمال السلطة، يعرقل وبشكل كبير الاستثمار الوطني والأجنبي. كما أنّ المسارعة إلى إيقاف وتعطيل العمل بالورش يعتبر هدرا كبيرا وسافرا للوقت والجهد والطاقة والإمكانيات. فهذا القرار التعسفي والمنافي لروح دعم الاستثمار، والذي يتواصل منذ يناير 2020، يتسبب في خسائر صافية لأصحاب المشروع تتجاوز 300.000 درهم شهريا، دون احتساب المتوقّع ربحُه والذي كانت ستذهب نسبة 40% منه إلى الخزينة العامة.
وحتمًا، ستقوم ولاية جهة مراكش-آسفي والجماعة الحضرية لمراكش باستئناف الحكم الابتدائي فيما يتساءل أصحاب المشروع عن فحوى المبرّرات المختلقة والأعذار المستجدّة التي سيتمّ تقديمها خلال المرحلة الاستئنافية… فيما يتواصل النزيف، ويستمر مخطط إقبار هذا المشروع في المهد، ليتمّ الدفع بأصحابه إلى الإفلاس، تبقى العديد من الأسئلة عالقة لا يجد لها أصحاب المشروع جوابا:
*لماذا اضطر والي جهة مراكش-آسفي إلى الانتقال في ساعة متأخرة من الليل يوم أحد (أي يوم عطلة) لتسريع سحب رخصة بناء مشروع يستجيب لجميع الالتزامات القانونية؟
- لماذا اضطر الوالي ورئيس الجماعة الحضرية لمراكش إلى اتخاذ قرار سحب رخصة البناء دون مبرّرات إدارية، في حين كان بإمكانهما القيام بمعاينة الورش والتحقق من مطابقة الأشغال، ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة، إن كانت هناك مخالفات، وإصدار الأمر بتجاوزها؟
- ما هي الأجندات المتحكمة في هذا القرار؟ هل هي المنافسة؟ هل هم أشخاص يودون الاستحواذ على المشروع؟ أم شخصيات مؤثرة استجابت لمطالب أناس لديهم مصلحة في عرقلة هذا المشروع: الجوار، الحسد أو الغيرة…؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يحق الإضرار بمصالح المواطنين المغاربة والأجانب إرضاء أهواء البعض؟
- لماذا لم يجب الوالي على الملتمسات المتعددة للمتضررين ومناقشة المخالفات، إن وجدت، بحيث يتم تجاوزها في حدود الممكن وطبقا للقوانين الجاري بها العمل؟
- لماذا برر الوالي، خلال المقابلة التي عقدت معه، تصرفه بوجود مخالفات لم تتضمنها محاضر وقف الأشغال، وبوجود ظهائر وقوانين لم تسلّم للمعنيين؟
- لماذا يسعى الوالي إلى دفع أصحاب مشروع “مراكش الساحة الكبرى Marrakech Grand’Place” للتخلي عنه؟ ولمصلحة من يتمّ كل هذا؟