مع استمرار الأزمة في أوكرانيا والتقدم في الغزو الروسي هناك، تصدر أصوات قلق عديدة في إسرائيل تدعو إلى «تعلم الدرس»، متهمة الغرب بأنه «لا يحمي حلفاءه» في وجه العدوان.
وتبرز هذه الأصوات في اليمين بشكل خاص، ولكن أيضاً في جوانب أخرى في الوسط الليبرالي واليسار، إذ يسود شعور بأنه في حال تعرض إسرائيل لهجوم من أي قوة جدية في المنطقة والعالم، وتصرف الغرب بقيادة الولايات المتحدة كما يتصرف الآن مع أوكرانيا، فإن كارثة ستحل على إسرائيل.
وقال الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال دورون ماتزا، إن «الموقف الغربي تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، يدل على ضعف شديد مؤلم، ستكون له انعكاسات سلبية على إسرائيل». وقال ماتزا إن الساحة الدولية آخذة في التغير، وإن «أوكرانيا ليست ضحية الغزو الروسي، فحسب، بل هي أيضاً ضحية لضعف النظام الدولي، الذي كرس نفسه لاستراتيجية التسويف والدبلوماسية الناعمة في التعامل مع الجهات المتمردة على النظام الدولي».
وأضاف أن تكتيك الغرب في التعامل مع السياسة الدولية، نابع من رغبته في الحفاظ على وجوده بشكل مريح. وقد أصبحت الفرضية التي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، مبدأ صارماً للسياسة الخارجية الأميركية والأوروبية، والتي من خلالها انعطف العالم نحو مكان خطير وغير مستقر.
هذه السياسة التي تسعى إلى تقليل الاحتكاك وإدارة المخاطر بعناية وتقديس الاستقرار، يمارسها الغرب حتى لو انطوت على مكافأة الجهات الدولية المتمردة. يقول الجنرال الإسرائيلي، إن الخبراء الذين يلتقي معهم، يجدون صعوبة هذه الأيام في الفصل بين وضع أوكرانيا وإسرائيل؛ حيث تبدو روسيا وكأنها تمارس دور إيران في أوروبا الشرقية، في حين تبدو أوكرانيا كإسرائيل، على حد تعبيره.
فإيران تبدو مثل روسيا، مصممة على تحقيق خططها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وتصبح قوة إقليمية، «وهي حازمة وعدوانية في ذلك ولا تخجل من دفع الأثمان الاقتصادية المترتبة على ذلك».
ويقول ماتزا، إن صراع روسيا اليوم هو مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشار الألماني أولاف شولز. ونحن نجد أنهم الأشخاص أنفسهم الذين يقودون المحادثات النووية مع إيران، وهم على القدر نفسه من التصالح مع إيران كما هم تجاه روسيا.
وفي حالة إيران، ستُجبر إسرائيل على دفع ثمن ضَعف الغرب. صحيح الغرب قد يبدو متعاطفاً مع إسرائيل في هذه المرحلة، لكنه في نهاية المطاف سيترك إسرائيل لتدافع عن نفسها، وهو أمر له آثار بعيدة المدى.
ونقل معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة، يوسي يهوشع، أمس، على لسان عدد مصادر موثوقة أن «هناك مخاوف أمنيّة لدى صناع القرار في إسرائيل من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ارتباطاً بالساحة السورية، وإهمال الغرب لها».
من جهة ثانية، حذر الجنرال غيريون هكوهين، الرئيس الأسبق لطابور هيئة الأركان العامة في الجيش، من أن الهجوم العسكري الروسي يضع تحديات جديدة أمام الجيش الإسرائيلي سيضطره إلى تغيير جوهري في طرق عمله. فهو يسير على خطى الغرب في تقليص حجم قواته وتخفيض الاعتماد على القوات الأرضية. وقد أثبت الروس أن هذه طريقة خاطئة.
وقال: «رغم أن الجيش الإسرائيلي لم ينجرف في الاتجاه الأوروبي، فليس سراً أن قواته البرية قد خضعت لعملية تخفيض كمي مستمرة في نصف القرن الماضي، لا سيما في نطاق مجموعة المدرعات. ورغم ذلك، لا تزال تُسمع في الخطاب العام الإسرائيلي، أصوات من اتجاهات مختلفة، تدعو إلى مزيد من التخفيض في عدد قوات الجيش الإسرائيلي، بل وتغيير أسلوب التجنيد الإجباري».
ولفت إلى أن التهديد الروسي على الحدود الأوكرانية، يوفر في هذا الصدد، نقطة مرجعية جديدة لدعم الأطروحة القائلة، بأنه حتى في العصر الجديد المشبع بالابتكارات التكنولوجية، لا تزال الحاجة ملحة إلى قوة عسكرية تتمتع في ساحة المعركة بوجود بري لكمية كبيرة من الآليات المتنوعة، الفعالة والشاملة». وتكلم هذا الجنرال أيضاً عن ضرورة اعتماد إسرائيل على نفسها وعدم انتظار الفرج من الغرب.