
هناك سؤال أصبح يطرح نفسه بإلحاح . ألا وهو:
هل توجد دولة في العالم يرفعها الفساد إلى أعلى الدرجات ؟.
الجواب على هذا السؤال يقتضي تحليل واقع بعض الدول المتقدمة عالميا اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا وثقافيا. ومن المعلوم أن مصطلح الدولة المتقدمة يستعمل لتحديد مستوى التنمية لهذه الدولة باعتماد بعض المعايير، مثل معدل الدخل الفردي و النزاهة والشفافية و مستوى الرفاهية وأيضاً احترام حقوق الإنسان ، أي الحق في التعليم الجيد على حساب الدولة و الحق في العلاج المجاني.
وتعتبر هذه الدول التي يكون فيها الناتج المحلي الإجمالي للفرد مرتفعا من الدول المتقدمة ، و التي يصدق عليها القول بالدول الاجتماعية ، لما تضمنه من عدالة اجتماعية على أرض الواقع و في واقع حياة الناس اليومية.و نضرب مثلا في ذلك النرويج و سويسرا ، ايرلندا ، هونغ كونغ (الصين)، ايسلندا، المانيا، الدنمارك واستراليا.
وهناك دول أخرى حققت قفزة نوعية في التنمية المستدامة ، مثل رواندا وماليزيا وهي دول جعلت من الفساد عدوا رئيسيا لها ، لتقطع معه نهائيا بفعل ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. وفي هذا السياق تم الحكم على رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب رزاق بالسجن 12 سنة نافدة لإدانته بالفساد على خلفية فضيحة صندوق “1 إم دي بي” المالية. وبمحاربة الفساد استطاع هذا البلد تحقيق انطلاقة اقتصادية رائدة و أن يتبوأ مكانة بين الدول الصناعية الكبرى، بفضل الاهتمام بالمنظومة التعليمية / التربوية و بفعل الربط بين القيم المجتمعية والأداء الاقتصادي من أجل تحقيق التنمية المستدامة الشاملة لجميع القطاعات.
و تلك رواندا هي الاخرى التي ابهرت العالم، بعدما استطاعت في وقت قياسيّ أن تتحوّل من “اقتصاد يعاني إلى اقتصاد ينمو بشكل متسارع بأكثر من أعظم اقتصادات العالم “( تقرير البنك الدولي ) . لقد شهد هذا البلد بفضل القضاء على الفساد الإداري و السياسي والاجتماعي والثقافي ازدهاراً في عديد القطاعات على الرَّغم مِنْ ضُعف الإمكانيات. لقد كان سر نجاح التجربة الرواندية في تحقيق التنمية الاقتصادية هو القضاء على الفساد و التعبئة الاجتماعية و العمل التشاركي و الشفافية.
إذن فأين نحن بلد المغرب، من التطور ومن التنمية المستدامة وتبؤ المراكز الأولى في الإقلاع الاقتصادي وفي الرفاهية؟ فاي سبيل للتنمية المستدامة والبرامج التنموية ونحن تحكمنا و تتحكم فينا و في إرادتنا حكومة جعلت من نفسها حامية للفساد وراعية أولياءه. و لا تنتج إلا أنواع الضرائب المباشرة و غير المباشرة والتي تستهدف الطبقات الشعبية المستضعفة ، حتى أن الأسعار بلغت ذروتها في أغلب المواد الاستهلاكية.
و مما يجعل بلادنا تظل في أسفل سلم التنمية المستدامة، هو أن هذه الحكومة جعلت من الفساد هو المؤسس للمؤسسات الدستورية وغيرها ، لأنها هيأت له شروطه كي ينمو بدل التنمية المستدامة ، حتي تظل البلاد رهينة الديون الخارجية التي ستعرف سنة 2022 ارتفاعا معتبرا يقدر بحوالي 10 %، ليبلغ 229 مليار درهم (حوالي 21.71 مليار دولار). أما الديون الداخلية فهي الأخرى تلامس عتبة 620 مليار درهم .
إن حكومة أخنوش لم تكن لها الكفاءة ولا الجرأة ولا أدنى حس وطني كي تجعل البلاد تنتقل من الفوضى الاقتصادية غير المنظمة واقتصاد الريع والقطاع غير المهيكل إلى اقتصاد وطني قوي، ومن العشوائية في التدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشأن العام إلي التدبير العقلاني لشؤون البلاد .
انها حكومة المصالح الذاتية وآلية تنفيذ إملاءات لوبيات الفساد و نهب المال العام الذين عتوا في الأرض فسادا و يسوقون البلاد إلى الهلاك. فلا تنمية ولا برامج تنموية ولا استقرار اجتماعي في ظل حكومة الأعيان وراعية الفساد .
بقلم : البدالي صافي الدين