أثار فوز مجموعة اقتصادية تابعة لرئيس الحكومة بصفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، بقيمة تقارب 650 مليار سنتيم، نقاشًا عميقًا حول مسألة تضارب المصالح واستغلال مواقع الامتياز والمسؤولية العامة. هذه القضية تتطلب فتح نقاش عمومي مسؤول بين النخبة السياسية وكافة المهتمين بالشأن العام، لتسليط الضوء على أهمية تخليق الحياة العامة وتعزيز حكم القانون.
هذه الصفقة طرحت إشكالية دستورية وسياسية وأخلاقية، ترتبط أساسًا بالفصل 36 من الدستور الذي ينص على ضرورة الوقاية من كل أشكال الانحراف المرتبطة بالإدارة والصفقات العمومية، وأيضًا بالفصل 245 من القانون الجنائي الذي يجرم استغلال الموظفين العموميين لمواقعهم لتحقيق مصالح شخصية. ورغم أن الجميع متساوون أمام القانون، إلا أن هذه المساواة تُصبح محل تساؤل حين يجمع شخص واحد بين مواقع السلطة التنفيذية والامتيازات الاقتصادية.
رئيس الحكومة، ومن داخل البرلمان، دافع عن أحقية شركته في المنافسة ونيل الصفقة، معتبرًا أن القانون لا يمنع ذلك. لكن هذه الحجة تواجه تحديًا كبيرًا حين يُنظر إلى غياب تشريع فعّال يُجرّم تضارب المصالح، رغم أن الدستور يلزم السلطات العمومية، بما فيها الحكومة، بالعمل على الوقاية من هذه الممارسات.
الفصل 245 من القانون الجنائي ينص على معاقبة أي موظف عمومي يتلقى فائدة من عقد أو استغلال يتولى إدارته أو الإشراف عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، مع غرامة مالية كبيرة. هذا النص يبرز تناقضًا بين الممارسات الحالية وما ينص عليه القانون، مما يجعل صفقة تحلية المياه تجسيدًا واضحًا لزواج السلطة بالمال، واستغلالًا مباشرًا لمواقع الامتياز.
بينما يتم عزل مستشارين جماعيين ورؤساء جماعات بسبب تضارب المصالح وفق القانون التنظيمي 113-14، فإن ممارسات رئيس الحكومة تُظهر خرقًا واضحًا لهذه القواعد دون محاسبة. هذا الوضع يطرح سؤالًا حول مدى جدية الالتزام بمبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
في دول تُكرّس مبادئ الشفافية ودولة القانون، كالسويد، قد يؤدي استغلال بسيط للموارد العامة، مثل استخدام بطاقة بنزين حكومية لأغراض شخصية، إلى تقديم استقالة المسؤول. أما في السياق المحلي، فيبدو أن غياب حدود واضحة بين السلطة والمصالح الذاتية يُشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة والمساواة.
تستدعي هذه القضية فتح نقاش جاد بين الأحزاب والنخب السياسية لتطوير إصلاحات مؤسسية وقانونية شاملة، تضمن بناء دولة الحق والقانون، حيث يخضع الجميع لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فهل يمكن أن تكون هذه الأزمة بدايةً لتحول جذري يعيد الثقة في مؤسسات الدولة ويعزز الشفافية؟
محمد الغلوسي
Be the first to comment