العدالة والفساد.. هل تلاحق المحاسبة الكبار أم تقتصر على الصغار؟

بقلم: محمد الغلوسي

في ظل تصاعد قضايا الفساد المالي والإداري في المغرب، يثار تساؤل جوهري حول مدى جدية السلطات في ملاحقة المتورطين، خاصة عندما يكونون من ذوي النفوذ السياسي والاقتصادي. فبينما تتحرك القوانين والإجراءات القضائية بسرعة البرق عندما يتعلق الأمر بصحفي أو ناشط حقوقي، نجد أن الملفات الكبرى التي تمس المال العام تُركَن جانبًا دون تحقيقات حقيقية.

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب قضايا فساد كبرى، أبرزها قضية الفراقشية الكبار الذين استغلوا الأزمة الاقتصادية والتسهيلات الحكومية لتحقيق أرباح طائلة على حساب المال العام والمواطنين. رغم حجم الأموال المهدورة، لم تجرِ أي جهة رسمية حتى الآن تحقيقًا جديًا أو تشكل لجنة تقصي حقائق برلمانية، رغم أن البرلمان نفسه يخضع لهيمنة الحكومة.

المثير للجدل أن بعض المسؤولين الحكوميين والحزبيين أنفسهم أشاروا إلى وجود تجاوزات مالية وشبهات سرقة لأموال الدعم الحكومي، ومع ذلك، لم نشهد أي تحرك فعلي من النيابة العامة للتحقيق في هذه الادعاءات. بدلاً من ذلك، نُشرت تصريحات صحفية تنفي وجود أي بحث قضائي بخصوص هذه الفضيحة، وهو أمر غير مألوف في مثل هذه القضايا ذات التأثير المباشر على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطنين.

هذه الفضيحة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من الملفات التي بقيت طي النسيان رغم خطورتها، مثل:

  • البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم وهدر 44 مليار درهم.
  • فضيحة تذاكر المونديال.
  • صفقات مشبوهة في قطاع الصحة.
  • ملف المحروقات والـ17 مليار درهم.
  • إصلاح مركب محمد الخامس الذي كلف 22 مليار درهم في عمليات إصلاح متكررة.

واليوم، نجد أنفسنا أمام قضية جديدة تتعلق بإهدار 113 مليار درهم من قبل مستوردين، بينهم برلمانيون، دون أي محاسبة. واللافت أن القاسم المشترك بين هذه القضايا هو أن المتورطين فيها ينتمون إلى فئة “الكبار”، الذين يبدو أن يد العدالة لا تصل إليهم، رغم أن الدستور في مادته السادسة ينص بوضوح على أن “الناس سواسية أمام القانون”.

إن المبلغ الهائل المهدور، والذي أثر بشكل مباشر على جيوب المواطنين من خلال الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم رغم الدعم الحكومي، يستوجب تحقيقًا قضائيًا شفافًا وشاملًا. إذ لم يعد من المقبول أن تظل العدالة صامتة أو انتقائية، حيث تقتصر على محاسبة الصغار بينما يفلت الكبار من العقاب.

المطلوب اليوم هو تحرك سريع من النيابة العامة لفتح تحقيق معمق في هذه الملفات، والكشف عن المتورطين، وإحالتهم إلى القضاء دون تمييز. فالمواطن المغربي بات أكثر وعيًا بما يجري، ولم يعد يقبل بسياسة غض الطرف عن الفساد حين يكون مرتكبوه من أهل النفوذ.

فهل سنشهد تحقيقات جدية ومحاكمات عادلة في قضايا الفساد الكبرى، أم سيبقى الحال كما هو عليه، حيث القانون يطبق على البعض دون الآخر؟

تمت إزالة عناوين الفقرات مع الحفاظ على تسلسل الأفكار بشكل احترافي. هل هناك أي تعديلات إضافية ترغب بها؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*