
في مشهد يتكرر كل موسم مطري، عاشت مدينة مراكش خلال الساعات الماضية كارثة حقيقية بعد أولى التساقطات، حيث تحولت الشوارع والأحياء، خاصة في المدينة العتيقة، إلى برك مائية غمرت الممتلكات، وحاصرت السكان والتجار والأسواق، مخلفة خسائر مادية جسيمة.

السبب الرئيسي لهذه الفيضانات المتكررة يعود إلى هشاشة البنية التحتية المرتبطة بشبكات الصرف الصحي، التي تقع ضمن اختصاصات الشركة الجهوية متعددة الخدمات، تحت إدارة عبد الله إلهامي. ورغم حجم الأضرار التي خلفتها الأمطار، اختارت إدارة الشركة الصمت، دون إصدار أي بلاغ توضيحي أو تواصلي وكأن شيئا لم يقع، ما زاد من غضب الساكنة والفاعلين المحليين، الذين اعتبروا هذا السلوك “استهتارًا واضحًا” يتنافى مع مبادئ الحكامة الجيدة ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي يكرسه الدستور.

وفي قلب المدينة، تحولت ساحة جامع الفنا، المعروفة عالميًا، ومحيطها إلى بؤرة بيئية خانقة، بعد انسداد قنوات الصرف الصحي واختلاط المياه العادمة بمياه الأمطار. وانتشرت الروائح الكريهة، في مشهد متكرر يناقض المكانة السياحية للمنطقة، خصوصًا في ذروة الموسم السياحي.

ورغم التحركات اليومية التي تقوم بها شاحنات التفريغ المنتشرة في محيط المدينة العتيقة، فإن هذه التدخلات لا تعدو كونها حلولًا ترقيعية لا ترقى إلى مستوى المعالجة الجذرية لمشكلة مزمنة تتفاقم مع مرور الوقت. ويبدو أن هذه الوضعية لم تعد حكرًا على نقطة بعينها، بل امتدت لتشمل عددًا من الأسواق والأحياء المجاورة بالإضافة الى عدد من المنازل غمرتها مياه الواد الحار، حيث تكرّر المشهد نفسه وسط غياب تام لاستراتيجية واضحة المعالم تتبنى مقاربة شاملة لصيانة وتجديد البنية التحتية المتقادمة.

وقد تجلّت خطورة هذا الإهمال في حادث غمر مياه الصرف الصحي لباحة ضريح سيدي بلعباس وازقة الزاوية العباسية، ما أسفر عن محاصرة عدد من المواطنين داخله، في مشهد يعكس هشاشة الشبكة وصعوبة تصريف المياه نتيجة انسدادات متكررة تكاد تكون دائمة، دون أي تدخل مستدام من الجهات المعنية.

ولم يسلم حي المصلى بمقاطعة سيدي يوسف بن علي من هذه الأزمة، حيث تحوّل إلى ما يشبه بحيرة كبيرة، غمرت الأزقة والدروب وجعلت التنقل مستحيلًا، في حين شهد كل من باب غمات وشارع محمد السادس مشاهد أشبه بالفيضانات، بعدما تحوّلت الشوارع إلى أنهار جارفة، غمرت الأرصفة وتسببت في عرقلة حركة السير، مكرسة بذلك صورة قاتمة عن واقع البنية التحتية بعدد من المحاور الحيوية بمدينة مراكش.

وتبقى منطقة المحاميد الجنوبي من أكثر الأحياء تضررًا، بسبب غياب قنوات رئيسية لتصريف مياه الأمطار. إذ تم ربطها بشبكة المحاميد القديم، التي تعاني أصلًا من ضعف في الطاقة الاستيعابية، ما أدى إلى اختناق الشبكة في نقاط متعددة، خاصة حي بوعكاز، اللذي يعرف فيضانات متكررة رغم بعض التدخلات الترقيعية التي لم تعالج أصل الخلل.

مصادر محلية كشفت أن السبب الرئيسي لاختناق الشبكة يعود إلى استثناء بعض المشاريع السكنية الحديثة بالمحاميد من الربط بالشبكة الجديدة ذات الأقطار الكبيرة، ما جعلها تعتمد على الشبكة القديمة، التي لم تعد قادرة على استيعاب الكميات المتزايدة من المياه، وهو ما تسبب في تدفق المياه العادمة فوق الأرض وتشكل برك تنبعث منها روائح كريهة تؤثر سلبًا على الصحة والبيئة.

في ظل تفاقم الوضع، يستعد عدد من الفاعلين الجمعويين لتقديم شكاية إلى الديوان الملكي، مطالبين فيها بتدخل عاجل، خاصة مع اقتراب المدينة من استضافة تظاهرة إفريقية كبرى في ديسمبر المقبل. ويحذر مراقبون من أن استمرار التهاون قد يقود إلى سيناريوهات أكثر خطورة، لا سيما في ظل التغيرات المناخية وظهور ظواهر مثل “النينيا”، التي من شأنها أن تزيد من وتيرة وغزارة التساقطات.

يبقى السؤال مطروحًا: أين هي إنجازات الشركة الجهوية خلال العشر السنوات الأخيرة؟ ولماذا تغيب رؤية استراتيجية واضحة لإعادة تأهيل الشبكة ومواكبة التوسع العمراني الذي تعرفه المدينة؟
حتى إشعار آخر، تبقى مراكش مهددة بالغرق مع كل قطرة مطر، في ظل صمت رسمي، وعجز إداري، وغياب قرارات شجاعة تعيد للمدينة الحمراء بريقها ومكانتها.





Be the first to comment