
لم يكن سقوط فريد شوراق، والي جهة مراكش آسفي، نتيجة لزلة بروتوكولية عرضية أو تصرف فردي يوم عيد الأضحى، بل خلاصة طبيعية لمسار إداري أراد أن يقرب الإدارة من المواطنين، ففتح الأبواب على مصراعيها، دون حراسة معيارية أو ضوابط مؤسساتية. فتح الباب للجميع: جمعيات، نشطاء، إعلاميين غير مهنيين وفاعلين محليين، حتى تحول محيط الولاية إلى ساحة تداخل فيها الفاعل المسؤول مع المتطفل المصلحي، وتكاثر فيها من لا صفة لهم، حتى كاد مركز القرار أن يفقد وضوحه ومهابته.
تبنى شوراق منذ البداية سياسة الانفتاح، لكن دون أدوات الفرز أو آليات الحوكمة الدقيقة، فمن جهة، تم تسهيل الولوج إلى الولاية لمئات الجمعيات، بعضها حقيقي وفاعل، لكن كثير منها لا يتوفر على ملفات قانونية كاملة، أو يشتغل خارج أطر الوضوح المالي والمحاسباتي. جمعيات تبحث عن الدعم أو النفوذ أو حتى مجرد التقاط الصور مع الوالي كأداة للتموقع المحلي و استعمالها لأغراض غير مشروعة ، ومن جهة أخرى، تمددت فئة “الصحافيين غير المهنيين”، أي أولئك الذين لا يتوفرون على البطاقة المهنية، ولا يخضعون لأي تأطير أخلاقي أو قانوني من طرف المجلس الوطني للصحافة، فصاروا جزءا من المشهد، يدخلون ويخرجون من الولاية، ويوجهون الرأي العام المحلي من خلال صفحات ومواقع لا تتوفر على أي مصداقية.
وهكذا اجتمعت الفوضى من جهتين: جمعيات تبحث عن النفوذ بلا شرعية، وصحافة غير مهنية تبحث عن الظهور، بينما الوالي لم يقم أي سياج مؤسساتي يحمي الإدارة من هذا التشويش، علما أن مراكش بحجمها ورمزيتها لا تدار بالنية الحسنة فقط، بل الرزانة الواضحة والمسافة الدقيقة بين المسؤول والمؤثرين.
حادثة نحر الأضحية، بما حملته من تجاوز رمزي للبروتوكول، لم تكن سوى النقطة التي كشفت للعلن ما كان يدور في الكواليس: غياب الضبط، انتشار الوساطة، عبث في التواصل الرسمي، وغياب تام لمعايير المهنية في التعامل مع الفاعلين الجمعويين والإعلاميين غير المهنيين.
إن ما حدث في ولاية مراكش ليس مجرد إنهاء لمهام مسؤول ترابي، بل هو تصحيح لمسار اختلط فيه منطق الدولة بروح العشوائية، وتسللت خلاله فئات لا شرعية لها إلى قلب القرار العمومي، فحين تذوب الحدود بين من يملك الصفة ومن يتقمصها، ويتحول محيط المسؤول الترابي إلى فضاء عبثي يتقاسمه جمعويون موسميون وصحافيون غير مهنيين يستغلون هذا القرب ، وقد نشهد بروز ملفات و شكايات تؤكد هذا الكلام ، وقد تظهر كذلك عمليات نصب و ابتزاز كثيرة ، وستفتح تحقيقات عميقة في الموضوع.
سقوط فريد شوراق ليس فقط عبرة، بل رسالة واضحة: من يمثل الدولة يجب أن يكون على وعي دائم بأن الانفتاح لا يعني التسيب، وأن الثقة لا تمنح إلا لمن يحترم القانون و المؤسسات .
مراكش، بثقلها الرمزي والسياسي، لا تتحمل تجارب فاشلة في التسيير ولا مقاربات هشة في الضبط، ومن هنا، فإن الدولة أعادت تصويب البوصلة: لا مكان مستقبلا لممارسات خارج القانون ، ولا لمحيط إداري يعج بالأصوات غير المؤطرة، فهيبة الدولة تبنى بالانضباط، لا بالقرب المفرط، وبالفرز المسؤول، لا بفتح الأبواب على مصراعيها.
Be the first to comment