تزداد المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي، الذي يئن أصلا تحت وطأة الأزمة الروسية الأوكرانية، في مرحلة جديدة من عدم اليقين بسبب ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد -19 ، خلال الأيام الأخيرة، في الصين، الدولة التي تحتل مكانة مركزية في سلسلة التوريد العالمية.
فمنذ بداية شهر مارس الجاري، وجدت الصين نفسها في قلب موجة جديدة من حالات الإصابة التي مست 28 مقاطعة في البلاد. فالنطاق الجغرافي للإصابات في هذا البلد الشاسع الذي يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة، يدعو إلى الخوف. كما يثير تساؤلات حول احتمال تفشي جائحة واسعة النطاق قد تهز الاقتصاد الصيني بشدة، وبالتالي الاقتصاد العالمي بأكمله.
وللصين مكانة محورية على الساحة الاقتصادية العالمية، حيث تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. وتحتكر لوحدها 28.7 في المائة من إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي مقابل 16.8 في المائة فقط للولايات المتحدة.
وقد ارتفع الفائض التجاري الصيني مع القوة الاقتصادية العالمية الأولى في المجال الصناعي لوحده من 83 مليار دولار في سنة 2001 إلى أزيد من 300 مليار دولار في عام 2021.
وهناك العديد من الأرقام التي توضح حجم هذا الاقتصاد، ولكنها تثير كذلك المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي في حالة انقطاع الإنتاج لمدة طويلة في هذا البلد.
وقد تم بعث إشارات مقلقة بعد قرار السلطات الصينية فرض إجراءات رقابية جد صارمة للحد من انتشار الفيروس المستعصي.
وبلغت موجات الصدمة أقصى البقاع بعد إغلاق مدينة شنزين لمدة أسبوع كامل. وتقع المدينة في مقاطعة غوانغدونغ، المركز الصناعي للبلاد. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة 1.96 تريليون دولار، حيث تمثل 11 في المائة من النشاط الاقتصادي للصين بأكملها.
وبلغت صادرات المقاطعة حوالي 795 مليار دولار سنة 2021، أي 23 في المائة من إجمالي مبيعات الصين إلى العالم الخارجي.
وتكفي الإشارة إلى أن هذه المقاطعة تحتضن مجموعة “Foxconn”، الممون الرئيسي لشركة “آبل”، لإدراك التأثير العالمي لهذا الإغلاق.
ومنذ بداية الموجة الجديدة من الإصابات بالصين، حذر المحللون بالمراكز المالية الدولية الكبرى من مثل هذه التأثيرات، في الوقت الذي بدأت فيه الضغوطات التضخمية تتفاقم مع اندلاع النزاع في أوكرانيا.
واعتبر المحللون أن كل شيء سيعتمد على مدى سرعة تدخل السلطات الصينية لاحتواء ارتفاع عدد الإصابات.
وسجلت البلاد 3507 حالات إصابة، أول أمس الإثنين، وهو الرقم الذي تراجع إلى 1860 يوم أمس. ويتعلق الأمر بالتأكيد بانخفاض كبير، لكن المحللين يحثون على الانتظار من أجل معرفة ما إذا كانت مقاربة “صفر تسامح”، التي تنهجها البلاد في مواجهة الوباء، لا تزال فعالة.
وبفضل هذه المقاربة، الذي تعتمد إجراءات تقييدية صارمة للغاية، بما في ذلك إغلاق مدن بأكملها، تمكنت البلاد من احتواء الوباء سنة 2020، الأمر الذي ساهم في إنقاذ العديد من الأرواح، والسماح بدوران عجلة الاقتصاد من جديد، وبكامل قدراته تقريبًا.
وهو الأمر الذي تجسد على المستوى الاقتصادي، حيث حققت الصين معدل نمو مذهلا بلغ 8.1 بالمئة سنة 2021، في الوقت الذي كانت الاقتصادات العالمية الكبرى تئن تحت وطأة الفيروس.
ووعيا منها بحجم الأزمة، بدت السلطات الصينية أكثر اطمئنانا، حيث تعهدت بمحاربة الفيروس بشكل صارم، من أجل الحد من تأثيره على الاقتصاد.
وأظهرت البيانات الصادرة، أمس الثلاثاء، عن المكتب الوطني الصيني للإحصاءات، أن الاقتصاد الصيني حقق انتعاشا قويا أكثر من المتوقع في يناير وفبراير، مشيرة إلى أن هذا الانتعاش تعزز، بشكل أساسي، من خلال ارتفاع نفقات الأسر واستثمارات المقاولات العمومية.
ومع ذلك، يدعو المحللون إلى توخي الحذر، خاصة وأن البيانات تتعلق فقط بالشهرين الأولين من العام، الذي من المحتمل أن يكون قاسيا وصعبا على البلاد والعالم بأسره.
ويتفق المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاءات، فو لينجوي، مع ضرورة التحلي بالحذر، حيث أكد أن عمليات الإغلاق والإجراءات التقييدية الأخرى ستزيد من الضغوط على الاقتصاد، وقد تؤثر بشدة على النمو.