تملالت تستغيث.. العطش يفضح فشل التدبير ويهدد الاستقرار

محمد الحجوي

تعيش مدينة تملالت، التابعة لإقليم قلعة السراغنة، تحت وطأة أزمة مائية خانقة، تحوّلت من مجرد انقطاعات ظرفية إلى معضلة بنيوية تؤثر بشكل مباشر على حياة السكان اليومية وتعطل مسار التنمية المحلية. فبين ضعف البنية التحتية وغياب الرؤية الاستباقية، باتت أزمة الماء تفرض نفسها كأحد أبرز التحديات التي تُهدّد الأمن الصحي والاجتماعي والاقتصادي للمنطقة.

غياب الماء الصالح للشرب دفع العديد من الأسر إلى اللجوء لمصادر مائية غير مراقبة، ما أدى إلى انتشار أمراض مرتبطة بتلوث المياه، وسط عجز واضح للسلطات عن ضمان حد أدنى من السلامة الصحية. من جهة أخرى، أثرت الأزمة بشكل كبير على الأنشطة الفلاحية والتجارية، ما تسبب في تراجع المداخيل وارتفاع معدلات البطالة، وزاد من حدة التوتر الاجتماعي، في ظل احتجاجات متكررة تُعبّر عن فقدان الثقة في نجاعة التدبير المحلي.

وتعود جذور هذه الأزمة إلى عوامل مترابطة، أولها بنية تحتية مهترئة لم تعرف أي تطوير حقيقي منذ عقود، بشبكات توزيع تفتقر إلى الكفاءة وتعاني من تسربات مزمنة تُهدر كميات ضخمة من المياه. يضاف إلى ذلك ندرة الموارد المائية في المنطقة، نتيجة التراجع المستمر في التساقطات وانخفاض منسوب الفرشة المائية، دون أن تُواكب ذلك خطط واقعية لتنويع مصادر التزود، سواء عبر تحلية المياه أو إعادة استخدام المياه المعالجة. أما على المستوى الإداري، فالأزمة تعكس غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة، واعتماد حلول ظرفية وترقيعية تعجز عن ملامسة عمق المشكلة.

ورغم خطورة الوضع، فإن تملالت ما زالت تملك فرصة لتجاوز هذه المحنة، شرط توفر إرادة سياسية جادة واستراتيجية متكاملة تُعيد الاعتبار لتدبير الموارد المائية كأولوية وطنية. ويبدأ هذا التغيير بتأهيل شامل للبنية التحتية، وتبني تقنيات حديثة للحد من الهدر، والاستثمار في مشاريع تنويع مصادر الماء، مع تعزيز آليات الحكامة المحلية وإشراك المجتمع المدني في الرقابة والتتبع.

فالماء ليس امتيازاً، بل حق أساسي تضمنه المواثيق الدستورية والإنسانية، وضمانه ليس ترفاً بل واجب الدولة ومؤسساتها. إن إنقاذ تملالت من العطش المزمن يتطلب قطيعة حاسمة مع منطق الإهمال والتأجيل، واعتماد سياسة مائية مستدامة تعيد للمدينة توازنها وتمنح سكانها كرامة الحياة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*