
محمد الحجوي
في مشهد مقلق يكشف هشاشة المنظومة النفسية في المناطق النائية، شهد دوار أولاد عريف بجماعة أولاد عمر، إقليم قلعة السراغنة، حادثًا مأساويًا بطلُه مريض نفسي في حالة اضطراب حاد. الحادثة تسببت في حالة من الهلع، بعدما أقدم المعني بالأمر على ارتكاب أفعال عدوانية شملت تهديد السكان، واقتحام المسجد، ومنع المصلين من أداء الصلاة، بل ومحاولة إجبارهم على الصلاة معه.
وتفاقم الوضع صباح اليوم حين اقتحم المسجد مجددًا وأجبر الإمام على فتح المرافق الصحية، قبل أن يشرع في تخريب الممتلكات، بما في ذلك إشعال النار واقتلاع الأشجار، في مشهد يختزل غياب آليات الوقاية والتدخل المبكر في قضايا الصحة النفسية.
تدخل السلطات لم يتأخر، حيث جرى توقيف المعني بالأمر وإحالته فورًا على الفحص الطبي، الذي أكد معاناته من اضطرابات نفسية عميقة تستوجب العلاج الفوري. وتم نقله على إثر ذلك إلى مستشفى “الكدية” للأمراض النفسية والعقلية بمدينة قلعة السراغنة لتلقي الرعاية اللازمة.
هذه الواقعة المؤلمة تعيد إلى الواجهة سؤالًا ملحًّا: أين نحن من إدماج الرعاية النفسية في السياسات العمومية؟ وكيف يمكن لمجتمعات تعاني من هشاشة الخدمات الصحية أن تتعامل مع مرضى يعانون من اضطرابات قد تتحول إلى خطر عام إن لم يُوفّر لهم الدعم والعلاج في الوقت المناسب؟
في ظل غياب بنيات استقبال نفسية متخصصة بالمناطق القروية، وتراجع مستوى الوعي المجتمعي بخطورة الأمراض النفسية، تبقى مثل هذه الحوادث قابلة للتكرار. ما حدث في دوار أولاد عريف ليس مجرد واقعة فردية، بل جرس إنذار صاخب يدعو إلى إعادة النظر في كيفية تدبير ملف الصحة النفسية، خاصة في المناطق التي تُعاني من التهميش وضعف الإمكانات.
ولعل أبرز ما كشفته هذه الحادثة هو الحاجة إلى مقاربة شمولية تتجاوز التدخل الأمني العاجل، نحو استراتيجية وقائية تتضمن:
تعزيز الوعي العام بأهمية الصحة النفسية
تدريب الفاعلين المحليين على التعامل مع المرضى
وتوفير مراكز رعاية نفسية قريبة من المواطنين
ورغم الجهود المشكورة التي بذلتها السلطات المحلية في احتواء الوضع، يبقى السؤال الجوهري معلقًا: كيف نمنع تكرار هذه السيناريوهات؟ الجواب لن يكون إلا من خلال تظافر جهود الدولة، والمجتمع المدني، والمهنيين، والأسر، من أجل بناء منظومة صحية نفسية أكثر عدالة وإنسانية.
ففي نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر بواقعة عابرة، بل بمستقبل آلاف المرضى الذين يحتاجون إلى أن يُسمع صوتهم، قبل أن تصرخ أفعالهم في وجه مجتمع لا يُنصت.
Be the first to comment