كورونا.. المدارس الخصوصية في قفص الإتهام.


يمر التعليم عن بعد هذه الأيام من سؤال الجدوى واختبار النجاعة في غياب تقييم جدي ومسؤول يضعه على المحك من أجل التمحيص والتجريب لينتزع المصادقة كبديل عن التعليم الحضوري ليس كمقوم تربوي في ظل الظروف الإستثنائية ، لكن لكي يبرر نفقات لاوجود لها على أرض الواقع على الأقل بالصورة التي يروج لها البعض حتى نكون منصفين . وهناك من اعتبر هذه القضية الإشكال ، القشة التي قصمت ظهر البعير. من خلال كشف حقائق صادمة إلى عهد قريب تم التكثم عليها، لازالت تداعيات النقاش الدائر حول المقاولات التي تتاجر في التعليم تحت مسمى التعليم الخصوصي مستمرة بعدما استطاعت كورونا هذا الوباء اللعين أن يكشف حقيقتها ومواقفها المتخاذلة من الأزمات العامة التي ألمت بالوطن لا أحد سينسى بلاغ “خفة الرجل” الذي طلب من خلاله المساعدة بدون ذرة خجل في بداية الأزمة والجميع منشغل بالتعبئة في التفاف أحيى فينا لحمة الوطن وأعاد لنا الثقة. هذه الخرجة التي طبعها التسرع وسوء التقديروشكلت نشازا وسط آجماع وطني .


في الحقيقة بين تجارة تسعى للربح يضمن استمراريتها وبين الجشع الذي أبانت عنه البعض من هذه المؤسسات التي ظهرت إلى الوجود وفي فمها ملعقة من ذهب. الكثير من الأمور تعتمل في هذا السياق دون أن ننتبه إليها. التقارير التي تهتم بالموضوع كشفت أن تقديم خدمة التعليم الخصوصي تعتبر قطاعا مربحا بكل المقاييس ولاعتبارات عدة أهمها على وجه التحديد الإشتغال على رصد النقائص التي يعاني منها التعليم العمومي. فإذا كان هذا الأخير يشكو من قلة الأمن وغياب التجهيزات وهدر الزمن المدرسي ونمطية الإشتغال بالمقاربات البيداغوجية وغيرها من الأعطاب التي تتوزع بين ماهو ذاتي وماهو موضوعي كلها عوامل عجلت بارتفاع عدد أرقام الأسر المهاجرة والتي أصبحت تضحي بكل احتياجاتها في سبيل تمدرس أبنائها في وضع جيد.

كما أن نمط عيش الأسر الحالية حيث أصبح الزوجان يتواجدان خارج البيت وهو أمر جلب أعداد إضافية عكس المدرسة العمومية التي تعتمد في مواقيتها على استعمال الزمن الكلاسيكي الممل دون مراجعة ولايخدم هذه الأسر. ومن أجل السعي للربح فالمدارس الخصوصية تثقفى بهذه العبارة أخطاء ضرتها الأولى وتستغل الوضع لصالحها دون أن نغفل أنها تقتات على نخبة مدرسيها بدون تكوين وعلى الجاهز وبأقل كلفة. كلها مؤشرات تدلل على أن ادعاء تأزم الوضع وصعوبة السيولة هو أمر مجانب للحقيقة والصواب بل هناك من يطالب بالكشف عن الأرقام المالية التي تتداول داخل هذه الأوساط من أجل مراقبتها خصوصا في مايتعلق بالجانب الضريبي.


لكن كورونا أبت إلا أن تكشف الوجه الخفي لهذا اللوبي الذي يمتص مالية المواطنين دون رحمة ولاشفقة وتحت أعين المسؤولين الذين اكتفوا بدور المتفرج فلاهم سلكوا المساطر التي تخول لهم الدفاع عن التعليم ولاهم قاموا بحماية الأسر من هذه المقاولات المتوحشة. البعض يتحجج بمحدودية القانون 06.00 دون بذل مجهود نحو مايفرضه من إجراءات. الذين لوحوا بمحاضر كأنها إنجاز خرافي إنما يقدمون صك إدانة وشهادة زور في حادثة ، الضحية فيها الأسر والجاني فيها المؤسسات الخصوصية. لأن هذه المحاضر يحاصرها سؤال الأجرأة والتنزيل وغياب الحل العملي : هل تم تقديم خطة لتدبير الأزمة بأقل الخسائر تنصف المتضررين ؟


نحن أيها السادة أمام غموض ولغة خشبية فضفاضة ،إنه خلط منهجي مقصود يراد منه تهريب النقاش نحو أزمة مفتعلة على الطرف المتضرر فيها إثباث الحيف من مؤسسات التعليم الخصوصي التي نهجت سياسة الممانعة والهروب إلى الأمام والآذان الصماء تحت عنوان الحوار المغشوش والأحكام المسبقة وحتى نستجلي حقيقة الأمر، حري بنا أن نعمل على تفكيك آليات النقاش لكي نوضح الصورة بشكل جلي.


أولا تبين أن الكثير من هذه المؤسسات تتهرب من التصريح بالعدد الحقيقي للعاملين بها والمصرح بهم في صندوق الضمان الإجتماعي لكي يعوضوا أسوة بسابقيهم في القطاع المهيكل من صندوق كورونا. فهي تعمد للتلويح بالأزمة دون الإفصاح عن السبب وتلعب على دور ارتهان الأسر في التعويض دون اللجوء للآلية الأولى. وهنا لابد أن نشير أنها فرصة مناسبة لكي يطالب العاملون بهذه المقاولة بوضعيتهم اتجاه الصندوق. وهو معطى سيحقق غايتين الأولى كشف حقيقة صاحب المقاولة ومدى جديته في التصريح ، الثانية سيخفف من الرقم المالي للعجز وسيساهم في الحل.


من الواجب كذلك على المقاولات التجارية الخصوصية التي تتاجر بالتعليم أن تصرح بأرقامها المالية وانضباطها للتسوية الضريبية حتى تكون موافقة لمعايير الشركات المواطنة وليس المتهربة من الضريبة.


الوزارة مدعوة وفي انسجام مع تصريح الوزير الذي قال في كثير من المرات أن التعليم عن بعد لا يعوض التعليم الحضوري التفاعلي، وعليه أن ينزل هذا التصريح على أرض الواقع وأن يصدر ورقة مؤطرة في الموضوع تجعل من التعليم عن بعد أقل كلفة أو إن شئنا القول بصريح العبارة
( أقل تسعيرة) مادام أرباب هذه المؤسسات لا يترددون في كل مرة بالقول نحن مقاولات تجارية تقدم خدمات في التعليم لحسم هذه العملية.


نعلم جيدا أن مكونات رسوم التسجيل شكلت منطقة العتمة التي يتلاعب فيها أرباب هذه المقولات من خلال رفع الرقم دون تفصيل ولاتدقيق. ودون تقديم أجوبة شافية وكافية ومما يثير الإستغراب التصريحات والمعطيات التي تابعتها من خلال برنامج تلفزي، حيث أفصح مدير أكاديمية عن حقيقتين صادمتين وهو يرد على أسئلة الصحافي أن الإدارة لاتتدخل في كثير من المشاكل التي تنجم عن علاقة متوثرة وملتبسة داخل هذه المرافق والأمر الثاني شديد الغرابة يقول أن كل هذه الإشكالات سيتصدي لها القانون الإطار 51/17.

فإذا كان البعض يعتبر جوابه ديبلوماسيا فإنني اعتبره شخصيا هروبا من قول الحقيقة وعدم تحمل المسؤولية التاريخية. إنه مؤشر يكشف حقيقة نوعية هؤلاء المسؤولين الذين لايمتلكون الجرأة وأوصلوا التعليم إلى الباب المسدود.

كل هذه الكوارث التي نعيشها لانحتاج فيها لمثل هؤلاء بل لمن يمتلك الجرأة في اتخاذ القرار، ونحن ممتنون للحظة الراهنة التي جعلت النسبة التي يطمح إليها الميثاق لم تتحقق ونحن نعيش أبشع صورة استغلال للتعليم. فهل سنكون في الموعد و نتحمل مسؤوليتنا أمام هذا التسيب ونوقف النزيف ؟
الأيام المقبلة كفيلة بكشف المزيد من الحقائق.

بقلم: الأستاذ ادريس المغلشي.