في عمق جبال الأطلس الكبير الغربي، وعلى بعد نحو 54 كيلومترا من مدينة مراكش، تشهد جماعة تزكين التابعة لدائرة أمزميز بإقليم الحوز نشاطا سريا متصاعدا يتمثل في تهريب كميات من التراب الغني بالذهب، في عمليات منظمة تتقاطع فيها مصالح أطراف متعددة، وسط تساهل واضح من بعض الجهات المفترض ان تفرض المراقبة وتضمن احترام القانون.

مصادر من عين المكان كشفت ان عمليات استخراج الذهب تجري يوميا من تشققات الصخور الشستية الجبلية بمنطقة أبرجي وتفروت بدواوير تيقليت و آيت مطاط، حيث تستعمل الحمير ليلا لنقل الأتربة الى بعض المنازل القريبة، قبل ان تعاد عملية النقل في الصباح الباكر باستخدام دراجات ثلاثية العجلات (تريبورتورات) نحو مناطق آمنة لتجميعها، تمهيدا لشحنها في مركبات متجهة نحو شيشاوة. هناك، تعالج هذه الأتربة بطرق تقليدية لاستخراج الذهب، قبل ان يباع المنتوج النهائي لصاغة محليين او يهرب الى وجهات خارجية.

وتؤكد المعطيات المتوفرة ان نسبة الذهب الموجودة في التراب المهرب مرتفعة نسبيا تصل الى 12.98 غرام/ طن، ما يجعل هذا النشاط غير المشروع تجارة مربحة تدر ارباحا ضخمة على شبكات التهريب التي باتت تتعامل مع العملية باحترافية لافتة.

وبحسب المصادر نفسها، فإن هذه الأنشطة تتم بتواطؤ مباشر من بعض الحراس التابعين لشركة “MX2″، التي تتولى استغلال المنجم المحلي بعد انسحاب شركة التنقيب الكندية Aya Gold & Silver. ويطرح في هذا السياق سؤال عريض حول غياب المراقبة الفعلية من قبل مصالح الدرك الملكي !!! خاصة وأن التحركات الميدانية تكاد تكون منعدمة رغم ان الأنشطة تتم بشكل شبه علني في محيط المنجم.
وعلى الرغم من المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية بجماعة تزكين، والتي عقدت اجتماعات موسعة قبل عدة اشهر ضمت ممثلين عن الشركة المعنية وشركة “مناجم” ومسؤولين محليين وممثلي الدرك الملكي، اضافة الى استدعاء الحراس الاربعة المشتبه في تورطهم، الا ان الوضع الميداني لم يتغير، اذ تحولت تلك اللقاءات الى تبادل للاتهامات بدل اتخاذ اجراءات عملية توقف نزيف الذهب المستمر.
وتشير بعض التقديرات الى ان توقف اشغال الشركة في استخراج الذهب واستغلال المنجم بالمنطقة قد يكون مرتبطا بـصعوبة التضاريس الوعرة وضعف البنية التحتية، ما يحد من قدرتها على استئناف النشاط الرسمي في المدى القريب.
غير ان المعطيات الميدانية تفيد ايضا بتورط منتخبين محليين وأحد اعوان السلطة بالمنطقة في تسهيل عمليات الحفر العشوائي وتوفير الحماية للعاملين في النقل والاستخراج، مقابل مصالح خاصة، الأمر الذي حول المنطقة الى محمية خارجة عن رقابة المؤسسات المعنية.
وفي سياق متصل، افادت مصادر الجريدة ان الشركة نفسها شرعت في عمليات تنقيب جديدة بمنطقة أزرو التابعة لجماعة تزكين، حيث اظهرت النتائج الأولية مؤشرات ايجابية حول وجود تمعدنات ذهبية بنفس المجال الجيولوجي الذي يضم منجم تيقليت، وهو ما يعزز احتمال وجود احتياطات اضافية مهمة من الذهب بالمنطقة.
كما تسجل انشطة مشابهة لتهريب الذهب في منطقة أزكور الجبلية التابعة لجماعة أزكور المجاورة لتزكين، ضمن تراب دائرة أمزميز، حيث تتكرر السيناريوهات نفسها من الحفر العشوائي والنقل السري للتراب المعدني في غياب تدخل صارم من السلطات المختصة.
وفي ظل هذا الوضع، يبقى السؤال الأبرز مطروحا حول الجهات المستفيدة من استمرار هذا الاستغلال غير القانوني، والمسؤولية الملقاة على الاجهزة المكلفة بالمراقبة والتتبع، في وقت تتحول فيه جبال الاطلس الغنية بالذهب الى فضاء مفتوح امام شبكات منظمة تنهب الثروات الوطنية في صمت، دون ان يلوح في الافق اي حل جذري يوقف هذا النزيف.
<<<يتبع>>>















