“أسقطنا نقطة ثاء العبث لسد بها بعض الأفواه”
لقد جاء دستور 2011 نتاج سيرورة تاريخية متدرجة لمجموعة من الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية ، مصالحات سياسية تاريخية وأوراش كبرى أهمها ورش الجهوية الموسعة التي انطلقت المشاورات فيه سنة 2009 ، فإذا كان هذا هو السياق العام للتعديل الدستوري دون إغفال السياق الخاص الذي كان محفزا للسياق العام وخادما له ، فلابد من الوقوف قليلا و النظر إلى 14 سنة مضت ونسأل أنفسنا، هل مجتمعنا في مستوى دستور2011 ؟ أم أن دستور 2011 متقدم على ما يتيحه الواقع ؟
ما أثار هذا السؤال هو المستوى السياسي الذي أصبح يدبر به الشأن العام الوطني والمحلي وتحديات المملكة !
إن الدول المتقدمة لم تتقدم بين ليلة و ضحاها ولم يكن تقدمها بمحض الصدفة ، بل على العكس من ذلك وضعت هذه الدول استراتيجيات اقتصادية واجتماعية طويلة المدى بأهداف دقيقة محددة في الزمان والمكان تحت ضمانة سلطة القانون الذي له السلطة المطلقة على الجميع و بدون أي استثناء كيفما كان نوعه، لأنه في الأصل يجب أن يكون للقانون سلطة على البشر لا أن يكون للبشر سلطة على القانون، ولعل مقولة أن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة، تعكس هذه الحقيقة ، فالفساد ليس قدرا محتموما ولم يكن يوما كذلك ولا من طبع المغاربة، وبالمقابل محاربته واجب ديني ووطني، فصلاح الإنسان جزء من دينه و نزاهته جزء من وطنيته ، إنها معادلة بسيطة يؤمن بها الجميع ويأخذ بها إلا القليل .
إن الدولة الأمة وهي تنهج سياسة تسديد التبليغ إنما تسعى إلى ملئ الفراغ الكبير الذي تركه الفاعلين السياسيين وبدأ يملأه الفكر المتطرف و أصبح يستغله العالم الآخر لأنه كما هو مسلم به فإن الطبيعة لا تقبل الفراغ أبدا، فما دور الفاعل السياسي في ملإ هذا الفراغ ؟
إن استمرارية الديمقراطية ربما تقتضي استمرار العملية السياسية و استمرار العملية السياسية يستلزم صناعة نخب حقيقية، وصناعة النخب تستوحب الديمقراطية في اختيارها ، هذا الاختيار الذي يجب أن يرتكز على مقومين : الكفاءة و النزاهة، حيث إذا اختل أحدهما إختل الثاني فلا سياسة بدون كفاءة ولا سياسة بدون نزاهة ، قال تعالى : “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” ، ولقد انتبهت الأحزاب السياسية المغربية لهذا الأمر بعد وقوعها في إحراج مجتمعي أمام الملك و أمام الشعب ، فقررت اعتماد ميثاق الأخلاقيات من أجل تخليق الحياة السياسية (شيئا ما )، فما أحوج الوطن اليوم إلى جميع أحزابه بكل مكوناتها بدءا من شبيباتها بعد تكوينها و تأطيرها بالشكل الجيد ، لخلق جبهة داخلية متماسكة بين جميع مكونات المجتمع المغربي لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية بمنطق الدولة الأمة.
إن السياقات الدولية والإقليمية أصبحت متقلبة بشكل كبير انهارت معها مجموعة من التحالفات الكبرى ، فأصبح منطق القوة هو الخطاب السائد ، وفي هذا السياق، إزداد العالم الآخر (الجارة الجزائر ) استهدافها للمملكة بشكل كبير وغير عقلاني ، قارعة لطبول الحرب مع المملكة ضاربة عرض الحائط اليد الممدودة للمملكة لها، فهي تسعى إلى جر المملكة إلى حرب الرابح فيها خاسر.
إن سُعار الجزائر أصبح يُسمع من مشارق الأرض ومغاربها ، لاتبيت ليلة واحدة إلا وتصبح على كيد مكيدة جديدة للمملكة ، تستعمل جميع وسائل الحرب القديمة والحديثة ، الديبلوماسية منها و الإرهابية كذلك ، بدعم من برميل غاز الشعب الجزائري الذي من حقه أن يستفيد من ثروات بلاده التي تسخر لتغذية و تكسية مرتزقة البوليساريو على حساب أبناء المليون ونصف شهيد ، الذين جاهدوا المستعمر من أجل نيل الحرية لا من أجل الوقوع في عبودية العسكر .
إن تحول الجزائر من صراع ديبلوماسي بليد – عرف المغرب كيف يجاريها فيه الزمان والمكان – إلى استهداف أمن المملكة انطلاقا من حسابات وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي تخلق الإشاعات و تزرع الفتن بين أفراد الأمة المغربية ، إلى جعل أرضها معبرا حرا للخلايا الإرهابية في اتجاه المملكة المغربية لتنفيذ عملياتها التخريبية ( إن لم يكن هذا الفعل عن علم و تخطيط ودعم منها من أجل ضرب المملكة) ، هو تحول خطير في المشند الإقليمي يسائل المغاربة جميعا عن مدى انخراطهم في الدفاع عن وطنهم ، يسائلنا عن مدى حصانتنا من هذه الهجمات العنكبوتية التي تستهدف مؤسسات الدولة و تزرع الشك فيها، أكيد أن المستوى الأمني مرتفع جدا ويعتبر أسوة لجميع دول العالم التي تعترف بكفاءته في كل مناسبة، وأكيد أن مستوى المؤسسة الديبلوماسية المغربية قوي جدا وقد خاضت حروبا شرسة جدا في جميع بقاع العالم ، حطمت فيها أركان الكيان العنكبوتي الوهمي وأرضخت دول عظمى، وأكيد كذلك أن الجيش المغربي يرابط و يسد الثغور برجالاته المخلصون ودروناته المتقدمة، وأكيد حتما أن مجموعة من المؤسسات الوطنية تقوم بالعمل نفسه بحب و تفان من أجل مصلحة الوطن، إلا أن المؤسسات السياسية تغرد خارج السرب بصراعاتها الضيقة وحساباتها الشخصية آخذة إنتباه المواطنين وكأننا أمام مبارة للتنس ، متناسية أن الفائز الحقيقي في الانتخابات المقبلة يجب أن يكون هو الوطن، هو بقاء لحمة الشعب المغربي هو استمرارية قوة مؤسساته، فالتدافع السياسي لايجب أن يمسي تهورا، يأخذ الوطن إلى ظلام المجهول.
إن إنتقال الخطاب الشعبوي من الطبقة السياسية إلى الطبقة الإعلامية و الشعبية أخطر من ألف عدو ، فالجهل يفعل بصاحبه ما لايفعل العدو بعدوه، فحماسة اللايكات وغرور التعليقات مثلها مثل زبد البحر تذهب جفاء ولا يبقى لها أثرا أمام حقيقة القانون، فمشروع أن تنتقد السياسة المحلية التي تدبر الشأن المحلي أو السياسة الحكومية التي تدبر الشأن العام بل من الواحب إنتقادها بموضوعية، ولكن أن يطلق الشخص العنان لكلمات اعتباطية مثل : ( لكنهم يكذبون عليكم يا جلالة الملك .. يكذبون عليكم بالأرقام، يكذبون عليكم بالتقارير، يزيفون الحقائق ليظهروا نجاحات وهمية ..)، فهذا تعبير صارخ على عدم احترام المؤسسات والأمر يسائل تكوين القائل إن لم نسيء النية ونقل شيئا آخر، وتوضيحا : إذا قلنا جدلنا أن السياسي يكذب فمؤسسات الدولة المتنوعة لا تكذب، ولن يتجرأ أحد على أن يكذب على أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين رمز الأمن والاستقرار، والدولة لها رجالاتها الأوفياء لملكهم ومؤسساتها الموقرة التي تحمي الوطن من أي تهديد خارجي أو داخلي بل تحمي كل شخص من نفسه وهذا التوضيح يدخل في هذا الإطار ، فالنقاش العمومي لايجب أن يتحول إلى تجريح في الأشخاص و طعنا في ذمتهم دون أي سند أو يتعدى ذلك إلى ضرب المؤسسات ، أما اللعبة السياسية فهي عملية ديمقراطية تحكمها صناديق الاقتراع ، والمواطن هو الحكم الأول والأخير في هذه العملية إما أن يصوت على من سيمثله بإخلاص أو يصوت على من يعيد له تربيته ولا يلومن حينئذ إلا نفسه، وأذكر هنا ( وأختم به ) بقول الجالس على العرش : وللمواطنين أوجه هذا النداء : إن التصويت حق وواجب وطني وأمانة ثقيلة عليكم أداءها، فهو وسيلة بين أيديكم لتغيير طريقة التسيير اليومي لأموركم، أو لتكريس الوضع القائم، جيدا كان أو سيئا. من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 62 لثورة الملك والشعب .
فهل نحن في مستوى دستور 2011 ؟















