ابراهيم افندي
في مساء 8 مارس 2022، وبين أضواء الكاميرات وتصفيق المدعوين، احتضن فندق “زيايدة بلاص” بالرباط حفلًا صاخبًا قيل إنه تكريم لعاملات النظافة بشركة “أوزون” بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. الحفل الذي حضره فنانون وإعلاميون وشخصيات رسمية وازنة، خُيّل للحاضرين أنه لحظة انتصار لنساء كافحن في صمت، وأنه تتويج لمسار من الكدّ والتضحيات. لكن الحقيقة التي تلت لم تكن أقل من صدمة.

في تلك الليلة، تم الإعلان عن مبادرة “إنسانية” قادها ممثلين عن الشركة، تقضي بمنح شقق سكنية لست عاملات تم اختيارهن – وفق ما أُعلن – بناء على معايير اجتماعية وإنسانية دقيقة: مطلقات أو أرامل، لا يملكن سكنًا، ولديهن أطفال، ويشهد لهن بالجدية في العمل. الأسماء نُطقت وسط التصفيق والدموع: نزهة حراكة من تمارة، نزهة قابيل من بوزنيقة، فوزية الوشام من فاس، خديجة خدو من بنسليمان، زهرة بن العروي من سطات، والبشتاوية بن إبراهيم من سلا. نساء صدقن أن الحلم أصبح حقيقة، وشاركن أسرهن فرحة شقة العمر.

لكن سرعان ما تبيّن أن كل ما جرى كان مسرحية محبوكة بإتقان. لا عقود وُقّعت، لا مفاتيح سُلّمت، ولا حتى شقق حقيقية كانت في الانتظار. فقط رقصة أمام الكاميرات وقطعة حلوى أمام جمهور مصفق. الوعد الذي قُدِّم على أنه عربون عرفان، تلاشى بمجرد انطفاء الأضواء.

الأخطر من ذلك، أن بعض العاملات دفعن ثمن هذا الوهم غاليًا. إحداهن طُردت من البيت الذي كانت تستفيد منه مؤقتًا، بعدما شاع خبر فوزها بشقة، فاعتقد مالك البيت أنها لم تعد بحاجة إليه. أخريات عُدن إلى حياتهن القاسية محملات بخيبة مضاعفة: خيبة الفقر، وخيبة الاستغلال العاطفي والإعلامي.
ما حدث لا يمكن اختزاله في وعد لم يُنفذ، بل هو استغلال صريح لمعاناة نساء بسطاء، تم توظيفهن في مشهد دعائي لتجميل صورة رجل أعمال. فهل كانت هذه المبادرة فعلًا بدافع إنساني، أم مجرد حملة علاقات عامة على حساب كرامة عاملات كادحات؟ وهل كان الحاضرون من إعلاميين ومسؤولين على علم بالخلفيات الحقيقية لهذا “التكريم”؟
الوعود ليست كلمات تُلقى في لحظة انفعال، بل التزام أخلاقي يحاسب عليه المرء أمام ضميره أولًا، ثم أمام من وُعِد به. وإذا كان “وعد المؤمن دين عليه”، فإن ما جرى في تلك الليلة يُعد خيانة أمانة أمام جمهور كامل. ويبقى السؤال الجارح معلقًا: لو كانت إحدى هؤلاء العاملات تُدعى “رجاء”، هل كانت ستنال نصيبها كما نال نادي “الرجاء” نصيبه من دعم البدراوي؟















