في سياق سياسي يتقاطع فيه النقاش حول القوانين الانتخابية مع دينامية الأحزاب واستعداداتها لاستحقاقات 2026، أثار توجيه شكاية ضد البرلماني طارق حنيش نقاشاً واسعاً حول حدود الفعل الحقوقي وواقع تداخله المتزايد مع الحسابات السياسية.
فقد اعتبر عدد من المتابعين للشأن المحلي أن توقيت الشكاية وطبيعة خطابها الاتهامي يطرحان علامات استفهام حول خلفياتها، مبرزين أن الجدل لم يعد محصور في مضمون الوثائق المرفوعة، بقدر ما أصبح مرتبطاً بطريقة توظيف الملف في سياق سياسي حساس.
ويرى هؤلاء أن الشكاية، بصيغتها المتداولة، ابتعدت عن معايير التبليغ الحقوقي الرصين المبني على الأدلة والوثائق، واقتربت من منطق الضغط السياسي، خاصة في ظل ما يصفونه بـ“الصعود المتزايد” لحنيش داخل المشهد الحزبي بمدينة مراكش.
وبحسب القراءات السياسية المتداولة، فإن الاسم المعني أصبح جزء من معادلة تنافسية محلية واضحة، ما يجعل أي تحرك يطاله—سواء كان حقوقياً أو سياسياً—محط متابعة وتأويل. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن محاولة التشويش على صورته أو استنزافه في مساطر قانونية طويلة قد يكون جزء من معركة انتخابية غير معلنة، خاصة وأن بعض الشكايات في السنوات الماضية تحولت، وفق تقييمات فاعلين محليين، إلى أدوات توتر سياسي أكثر منها آليات رقابة.
وفي المقابل، يشدد حقوقيون على أن حق تقديم الشكاية حق مكفول قانونا، وأن تقييم النوايا السياسية يبقى رهيناً بتحقيقات المؤسسات المختصة، داعين إلى عدم نقل السجالات إلى مربع الاتهامات المتبادلة الذي قد يضعف ثقة المواطنين في الفعل المدني والرقابة المجتمعية.
هذا الجدل يعيد كذلك إلى الواجهة النقاش الذي رافق تعديلات قانون المسطرة الجنائية، والذي انتقل فيه المشرّع من وضعية “الشكوى المفتوحة” إلى “الإحالة المؤسساتية” في قضايا المال العام، في محاولة لضبط علاقة الفعل الحقوقي ببعض الاستعمالات السياسية التي أثارت نقاشاً واسعاً في السنوات الأخيرة.
ويجمع مراقبون في مراكش على أن الملف الحالي يشبه حالة اختبار بين رؤيتين:
رؤية تعتبر أن الشكاية أداة محاسبة يجب صونها،
ورؤية ثانية ترى أن جزءاً من العمل الحقوقي بات يُستعمل أحياناً في صراعات انتخابية مبكرة، بما يفرغ جوهره من قيمته الأصلية.
ورغم تباين القراءات، يتفق الفاعلون على أن المغرب اليوم يحتاج إلى منافسة سياسية ناضجة وإلى فعل حقوقي مهني وموثّق، بعيداً عن أي توظيف يسيء للأطراف كلها ويشوّش على مسار العدالة. كما يؤكدون أن المؤسسات وحدها الكفيلة بحسم مثل هذه القضايا، وأن أي نقاش خارج ذلك ينبغي أن يظل منضبطاً لمنطق الرصانة والمهنية واحترام قرينة البراءة.















