يشكل اليوم الوطني للسلامة الطرقية، الذي يصادف يوم 18 فبراير من كل سنة، مناسبة لتقييم مختلف العمليات والبرامج المنجزة لمواجهة حرب الطرقات، وفرصة لمضاعفة الجهود والتحسيس بالكلفة الاقتصادية والمجتمعية لآفة حوادث السير.
كما يمثل هذا اليوم الوطني فرصة سانحة لتثمين المكتسبات المحققة في مجال السلامة الطرقية والحث على مواصلة انخراط وتعبئة كافة المتدخلين العموميين والخواص ومكونات المجتمع المدني والفاعلين الإعلاميين على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، بالإضافة إلى تحديد شركاء جدد وإعطاء الانطلاقة للبرامج والمشاريع المستقبلية ذات القيمة المضافة على المديين القصير والمتوسط.
وقد تجلت الأهمية التي توليها المملكة لملف السلامة الطرقية في إعداد الاستراتيجية الوطنية الجديدة للسلامة الطرقية للفترة 2016-2025، والتي يسعى المغرب من خلالها إلى تقليص عدد الوفيات على الطرق بنسبة 25 في المائة خلال السنوات الخمس القادمة، وبنسبة 50 في المائة في أفق عام 2025، وهو ما يشكل تحديا تراهن على تحقيقه جميع الهيئات التي تعمل على ملف السلامة الطرقية على المستوى الوطني والمحلي.
وتروم الاستراتيجية أيضا تركيز الموارد المخصص في هذا المجال استنادا إلى خمس رهانات تهم الراجلين، وأصحاب الدراجات النارية، والحوادث التي تتورط فيها مركبة واحدة، والنقل المهني، والحوادث التي يذهب ضحيتها الأطفال أقل من 14 سنة، وذلك من خلال اعتماد إجراءات واقعية وواضحة كفيلة بتحقيق النتائج المرجوة في ظل انخراط كافة فئات المجتمع.
وبحسب أرقام لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، فقد ارتفعت الاستثمارات في مجال الطرق من 33 مليار درهم ما بين 2012 و2016 إلى حوالي 42 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2017 و2021. كما بلغ متوسط الاعتمادات السنوية 8,4 مليار درهم مقابل 6,6 مليار درهم خلال الفترة الممتدة ما بين 2012 و2016، أي بنسبة نمو وصلت إلى 27 في المائة.
وعلى مستوى الطرق السريعة، التي توجد قيد الإنجاز، فقد بلغت نحو 739 كلم بغلاف مالي قدره 6 ملايير درهم، تهم عددا من الطرق السريعة، أهمها الطريق السريع تيزنيت – العيون. كما أن هناك طرقا سريعة ستتم برمجتها انطلاقا من سنة 2021، على امتداد 244 كلم بغلاف مالي يصل إلى 5 ملايير درهم، وتهم على الخصوص الطريق السريع الحضري لمدينة أكادير والطريق السريع فاس-تاونات.
كما خصصت الوزارة لصيانة وعصرنة الشبكة الطرقية حوالي 46 في المائة من الميزانية المخصصة للطرق، بما فيها مليار و250 مليون درهم سيتم تخصيصها لبرنامج تقليص الفوارق المجالية والترابية، بالإضافة إلى أعمال الصيانة الاعتيادية التي تكلف 250 مليون درهم.
وبخصوص البرنامج الوطني للطرق القروية، فقد تم إطلاق حوالي 15 ألف كلم لفائدة 3 ملايين من الساكنة المعنية بهذا البرنامج، فضلا عن برنامج تقليص الفوارق الترابية الذي خصصت له الوزارة حوالي أربعة ملايير درهم.
وفي ما يتعلق بالقناطر، أفادت الوزارة بأن عددها بلغ 15 ألفا و548 قنطرة على الصعيد الوطني، وتهم عددا من المحاور الطرقية، فضلا عن بناء 282 منشأة فنية بغلاف مالي قدره 1,1 مليار درهم، مع تخصيص غلاف مالي 455 مليون درهم برسم 2018-2019، وذلك لإنهاء أشغال 45 منشأة فنية، بالإضافة إلى إعطاء انطلاقة 84 منشأة فنية جديدة.
على صعيد آخر، وبمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية، نظمت مؤخرا الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، بشراكة مع الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، لقاء جهويا لتوزيع العدة التربوية للسلامة الطرقية تحت شعار: “من أجل مدرسة متجددة و منصفة و مواطنة و دامجة”، حيث شكل هذا اللقاء مناسبة لإطلاق دورة تكوينية حول التربية الطرقية.
وبهذه المناسبة، قال مدير الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، بناصر بولعجول، في تصريح للصحافة، إن مشروع توزيع العدة التربوية للسلامة الطرقية التي تشمل حاملا رقميا يحتوي على دروس نظرية في التربية على السلامة الطرقية، ولوحة إلكترونية ورخص سياقة رمزية، وعلامات التشوير، ودراجات هوائية، يهدف أيضا إلى إحداث أندية للسلامة الطرقية داخل المؤسسات التعليمية.
ووصف السيد بولعجول المحور المتعلق بالتربية الطرقية بـ”الاستراتيجي”، مشيرا إلى أن هذه العملية تروم كذلك تمكين رجال ونساء التعليم من تقديم دروس وتنشيط دورات حول التربية الطرقية بالمؤسسات التعليمية.
وفي إطار مجهوداتها لتبسيط المساطر، والإجراءات الإدارية للمرتفقين، أطلقت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) بوابة الكترونية khadamat.narsa.gov.ma لأخذ المواعيد عن بعد للاستفادة من خدمات مراكز تسجيل السيارات ومراكز الفحص التقني، وكذا تجديد والحصول على رخصة السياقة والبطاقة الرمادية بالمغرب.
وبلغة الأرقام، كشف تقرير الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني، أن سنة 2020 شهدت تسجيل انخفاض مهم في مختلف مؤشرات السلامة المرورية، وذلك كنتيجة مباشرة للترتيبات الأمنية والتدابير الاحترازية المتخذة على خلفية تطبيق حالة الطوارئ الصحية.
ووفق التقرير ذاته فقد شهدت سنة 2020، تسجيل 58.785 حادثة سير بدنية في مقابل 70.915 حادثة خلال سنة 2019، أي بنسبة انخفاض تجاوزت 18 بالمائة، وهو المؤشر الذي انعكس بشكل مباشر على انخفاض الحصيلة الإجمالية للمصابين بجروح خطيرة وخفيفة بما يتجاوز 23 بالمائة، والأمر نفسه في ما يخص إحصائيات قتلى حوادث السير بالمدار الحضري، التي تجاوز انخفاضها 26,40 بالمائة خلال السنة الجارية مقارنة مع سنة 2019.
وفي نفس السياق، شمل هذا الانخفاض أيضا حصيلة عمليات المراقبة الطرقية، حيث تم إنجاز 454.399 محضرا لمخالفات قانون السير والجولان خلال السنة الجارية مقابل 567.714 خلال سنة 2019، أي بنسبة تراجع قدرها 20 بالمائة تقريبا، وهي النسبة نفسها التي انخفضت بها محاضر المخالفات الجزافية والتصالحية التي تم تحصيلها، لتنتقل من 1.456.517 مخالفة خلال السنة المنصرمة إلى 1.176.954 مخالفة خلال السنة الجارية.
وفي مقابل هذا الانخفاض، واصلت مصالح شرطة المرور تعميم التطبيقات المعلوماتية الخاصة بالتدبير الرقمي لإدارة وتخزين وثائق المراقبة الطرقية، ليشمل هذه السنة مدن الرباط وسلا والقنيطرة وطنجة وتطوان والحسيمة، فيما تم الشروع أيضا في تنزيل برنامج التدبير المعلوماتي لمحاضر حوادث السير بمدينة القنيطرة كمرحلة تجريبية في أفق تعميمه على الصعيد الوطني، وذلك في سياق مشروع قريب المدى يراهن على تعميم البنية التحتية المعلوماتية لتشمل جميع الوثائق المرتبطة بالسلامة المرورية، وحوسبة إجراءات مراقبتها وافتحاصها.
كما واصلت مصالح الأمن الوطني عملية تزويد فرق السير والجولان بمعدات متطورة للمراقبة الطرقية، والتي شملت خلال السنة الجارية الدفعة الثانية المتمثلة في توزيع 140 جهاز رادار متحرك لمراقبة السرعة، بتقنيات عالية للرصد على مدار الساعة وفي مختلف الظروف المناخية، فضلا عن إنجاز وتعميم صيغة محينة ومنقحة من دليل المراقبة الطرقية لفائدة أعوان وموظفي الشرطة، لضمان التكوين الممنهج في مجال السلامة المرورية.
ورغم الانخفاض الملحوظ في عدد ضحايا حرب الطرقات، إلا أن الوضع ما يزال ينذر بالخطر، ومن هنا أهمية مضاعفة الرسائل التوعوية التي تبثها مختلف وسائل الإعلام، ضمن حملات تواصلية متعددة، للحث على الانخراط بشكل واع ومسؤول في احترام قوانين السير والجولان.
وبين احترام قوانين المرور المنوط بالسائقين والالتزام بضوابط السير والجولان الملزمة للراجلين، خيط رفيع ناظم لأسس السلامة الطرقية التي يتعين ترسيخ ثقافتها ضمن المجتمع، عبر مختلف وسائل وقنوات التواصل، بغية تنشئة جيل مدرك لرهان حقيقي يتمثل في حفظ حياة النفس والغير.
وعليه، فإن التربية الطرقية تظل أحد أهم المداخل المتاحة في مواجهة معضلة حوادث السير وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بالنظر إلى المكانة المحورية التي يحتلها العنصر البشري ضمن المنظومة الشاملة للسلامة الطرقية سواء على مستوى العوامل والأسباب أو الركائز المعتمدة من أجل بناء سياسات عمومية فعالة في هذا المجال.