تشكل الحدائق والفضاءات الخضراء المنتشرة بكثافة في مراكش، متنفسا لساكنة المدينة وزوارها في ليالي فصل الصيف الحارة، والذين يحجون إليها بكثافة، فرادى وجماعات، حيث تعرف حيوية كبيرة وحركية منقطعة النظير مساء كل يوم، مما يضفي عليها نكهة خاصة وطابعا متميزا في هذه الفترة من السنة.
وهكذا، تتحول هذه الفضاءات الخضراء، والتي يعود إحداث بعضها إلى قرون خلت، وساهمت بشكل كبير في إشعاع المدينة الحمراء على الصعيدين الوطني والدولي، إلى قبلة للساكنة والزوار في ليالي فصل الصيف، للاستمتاع برطوبة الجو الذي يميزها خلال هذه الفترة من اليوم.
وخلافا لما تعرفه شوارع وأزقة المدينة مع بزوغ شمس كل يوم، ولاسيما في فترة الزوال وبعدها، حيث درجات الحرارة مرتفعة جدا، من حركة ضعيفة تقتصر على تنقل الأشخاص لقضاء واجباتهم اليومية أو بعض الأغراض الشخصية الضرورية، فإنه بمجرد حلول المساء إلا وتدب مجددا حركة نشيطة في مختلف أوصال المدينة، بما فيها الفضاءات الخضراء. ويفضل المراكشيون والعديد من ضيوف المدينة قضاء الفترة المسائية بين أحضان الطبيعة في الحدائق والفضاءات الخضراء، التي تمت تهيئتها لهذا الغرض، من خلال توفير الإنارة، وتخصيص كراسي ومساحات للجلوس، للمحافظة على النباتات والأشجار التي تزينها، وأخرى موجهة لألعاب الأطفال، الذين يجدون فيها فضاء مواتيا للهو والتسلية بعد يوم حار، يجعلهم بين خيارين إما قضاء سحابة النهار حبيسي المنازل، أو اللجوء إلى المسابح. وفي هذا الصدد، يعتبر عدد من المهتمين بالمجال البيئي بمراكش، أن التحول الذي عرفه نمط البناء، الذي انتقل من استعمال التراب الذي يتلاءم مع مناخ مراكش الحار في الصيف والبارد شتاء، إلى الاعتماد على الإسمنت، يعد عاملا أساسيا يدفع العديد من الأسر إلى البحث عن أماكن تجد فيها الرطوبة في الليل في ظل ارتفاع درجة الحرارة بالمدينة الحمراء، وهو ما لا يتوفر إلا في المساحات الخضراء والحدائق، أو بالمنتجعات السياحية الواقعة في ضواحي المدينة. ويرون أن الفضاءات الخضراء تمثل الرئة التي تتنفس بها المدينة، مما يستدعي المحافظة عليها وصيانتها، بعدما خصصت لها استثمارات كبيرة، حيث تم تزيينها بمختلف أنواع الأشجار، وفي مقدمتها أشجار النخيل، وكذا بالعشب والورود، فضلا عن تنظيفها وسقيها بشكل منتظم، داعين إلى تكثيف عمليات صيانة الفضاءات العامة والحرص على بقائها نظيفة من أجل الصالح العام ولاستقبال زوار مراكش في أحسن الظروف، بالنظر إلى أن الفضاءات الخضراء بالمدينة الحمراء تعد موروثا قيما ظل صامدا لأزيد من خمسة قرون. وفي هذا السياق، أكد محمد الأزلي، وهو حرفي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن البنايات القديمة كانت تحافظ على رطوبة الجو في المساء، بعد يوم تتجاوز حرارته ال 40 درجة، وهو ما كان يحفز النساء على التجمع في ما بينهن، والأطفال أيضا داخل الأحياء القديمة في جو تسوده الألفة والتعايش والانسجام، الشيء الذي كان يعد شكلا من أشكال النزهة داخل هذه الأحياء. وأضاف أن انتشار المباني الإسمنتية بالمدينة، يجعل ساكنتها في مواجهة الحرارة المنبعثة منها ليلا، وهو العامل الأساسي لبروز ظاهرة خروج عدد كبير من الناس إلى الفضاءات الخضراء بشارع محمد السادس وشارع علال الفاسي وباب دكالة ومنتزه مولاي الحسن وواحة الحسن الثاني بحي سيدي يوسف بن علي وشارع النخيل بحي المحاميد وغيرها من الفضاءات، بحثا عن الرطوبة، والترويح عن النفس والاستمتاع بأجواء يسودها المرح والترفيه. وشدد السيد الأزلي، في الوقت ذاته، على ضرورة تجنب أي تعامل قد يضر بمكونات هذه الفضاءات، مما يؤثر على جماليتها ويحد من جاذبيتها، ويحول، بالتالي، دون قيامها بالأدوار المنوطة بها، ويؤدي في النهاية إلى حرمان الساكنة والزوار من الاستفادة من أجوائها الرطبة في ليالي الصيف الحارة.
ويبقى استمرار الفضاءات الخضراء بمراكش، المدينة السياحية بامتياز، والتي تعد الأماكن المفضلة للساكنة وأيضا للسياح المغاربة والأجانب لقضاء حيز من الوقت وسط الطبيعة طلبا للراحة والسكينة والهدوء، رهينا بالعناية بها والحفاظ على نباتاتها وأشجارها، وعلى رونقها وجماليتها، وذلك من خلال تحسيس الوافدين عليها بالأهمية التي تكتسيها، والحرص على استدامتها.