تسريب التعديلات على مدونة الأسرة.. مغالطات وتحديات في الإصلاحات القانونية.

عبد الهادي الفارسي

ترافق عملية مراجعة مدونة الأسرة الجديدة العديد من النقاشات التي أثيرت حول بعض التعديلات المقترحة، وسط تباين في الآراء بين المؤيدين والمعارضين. فبعد موافقة المجلس العلمي الأعلى على أغلب المقترحات المطروحة، باتت المدونة في انتظار عرضها على البرلمان للتصويت عليها، ومن ثم المصادقة الملكية لاستكمال مسارها التشريعي.

ويشير خبراء في المجال القانوني إلى وجود مغالطات شابت بعض النقاط الأساسية في عملية المراجعة، وعلى رأسها قضايا النفقة والحضانة. إذ ينص التشريع المغربي على إلزام الأب بالإنفاق على أبنائه دون تحميله أي التزامات تجاه طليقته بعد انتهاء فترة العدة.

وفيما يتعلق بالحضانة، يأتي ترتيبها وفقًا للقانون المغربي كالآتي: الأم، ثم الجدة للأم، ثم الأخت، تليها الجدة من جهة الأب، وأخيرًا الأب الذي يحتل المرتبة الخامسة في حق حضانة الأبناء.

وفي سياق آخر، أثار موضوع شهادة الزواج نقاشات واسعة، حيث أوضح المختصون أن التعديل يتعلق أساسا بالمغاربة المقيمين في الخارج لتسهيل عملية توثيق عقود الزواج في ظل قوانين دول المهجر. الهدف من هذا الإجراء هو تيسير الأمور العملية مع الحفاظ على الشرعية الإسلامية في إبرام هذه العقود.

كما تضمنت المراجعات مسألة السكن بعد وفاة الزوج، حيث أكد المختصون أن التعديلات تمنح الزوجة والأبناء حق البقاء المؤقت في بيت الزوجية لفترة محددة، دون أن يتم استثناؤه من التركة بشكل دائم. هذه الخطوة تهدف إلى حماية الأسر من التشرد وضغوط الحياة الاجتماعية، خصوصًا إذا كان المسكن هو المورد الوحيد للأسرة.

من جهة أخرى، طالت النقاشات موضوع تقاسم الثروة بين الزوجين، إذ أفاد الخبراء بعدم وجود أي نص قانوني يلزم الزوج بتقاسم ممتلكاته المكتسبة قبل الزواج مع طليقته. وأشاروا إلى أن التعديلات الجديدة تركز على تثمين العمل المنزلي للزوجة كإسهام في تنمية الثروة المشتركة أثناء فترة الزواج، مع مراعاة عوامل أخرى كالمدة الزمنية للعلاقة الزوجية وظروف الطرفين، التي تخضع عادةً لتقدير القضاء المختص.

وفي ظل الجدل القائم، يرى البعض أن هذه التعديلات تمثل خطوة إيجابية لتعزيز استقرار الأسرة المغربية. فقد تضمنت تحسينات في إجراءات الطلاق، تعزيز أدوار القضاء المختص، إنشاء هيئة للوساطة والصلح، وتطوير نظام الطلاق الاتفاقي. كل هذه التعديلات تهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق وواجبات الزوجين، بما يسهم في بناء مجتمع قائم على العدالة والإنصاف.

ومع ذلك، تبقى التعديلات مجرد خطوط عريضة تمهد لنقاش معمق ودقيق في المستقبل. وكان للمجلس العلمي الأعلى دور محوري في دراسة هذه المقترحات بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، مما أكسبها موافقة ملكية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي أكد التزامه بتحقيق توازن بين الاجتهاد التشريعي والمصالح الاجتماعية، تأكيدًا لرؤيته الرامية إلى تعزيز العدالة الأسرية في المغرب.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*