قرارات وزير العدل المغربي.. إصلاح قانوني أم انقلاب على الدستور؟

Admin2412 مارس 202523 مشاهدة
قرارات وزير العدل المغربي.. إصلاح قانوني أم انقلاب على الدستور؟

أثار وزير العدل المغربي جدلًا واسعًا بعد إعلانه عن إجراءات وصفها البعض بأنها “تعليق لأحكام الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية”، في خطوة تعكس توجهًا مثيرًا للقلق بشأن استقلالية المؤسسات الدستورية ودور البرلمان في التشريع والرقابة.

أمام لجنة العدل والتشريع، أدلى وزير العدل بتصريحات تحمل دلالات خطيرة، حيث بدا وكأنه يسعى إلى تقييد دور المجتمع المدني والجمعيات في التبليغ عن قضايا الفساد، ومنح امتيازات قضائية لرؤساء الجماعات الترابية، وهو ما يراه مراقبون محاولة لإعادة “الهيبة” للعمل السياسي عبر حماية بعض المسؤولين من المساءلة.

وتشير هذه الخطوة إلى رغبة واضحة في تحجيم دور النيابة العامة في تحريك المتابعات القضائية ضد المتورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام، مما يضع علامات استفهام حول التوجهات الحكومية في محاربة هذه الظاهرة التي تؤرق الرأي العام المغربي.

دستور 2011، الذي يشكل الإطار القانوني الناظم للحياة السياسية في المغرب، ينص في فصله الأول على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، بالإضافة إلى ترسيخ الديمقراطية التشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

كما أن الفصل 70 من الدستور يحدد بوضوح أن السلطة التشريعية يمارسها البرلمان، الذي له صلاحية التصويت على القوانين، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية. وفي السياق ذاته، يؤكد الفصل 71 على أن التشريع في مجالات الحقوق والحريات الأساسية، والمسطرتين المدنية والجنائية، من اختصاص البرلمان، مما يجعل أي محاولة لفرض توجهات أحادية من قبل السلطة التنفيذية أمرًا مخالفًا لمقتضيات الدستور.

المثير للقلق أن هذه الإجراءات تأتي في وقت يواجه فيه البرلمان نفسه تحديات تتعلق بمصداقيته، حيث يضم في صفوفه أكثر من 30 نائبًا يواجهون تهماً تتراوح بين الاتجار في المخدرات، وتبييض الأموال، واختلاس المال العام، والرشوة، والاتجار بالبشر، ومنهم من يوجد رهن الاعتقال.

بدلًا من البحث عن حلول جذرية لاستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، يبدو أن هناك توجهًا لتكريس منطق التحكم والتضييق على حرية التعبير والعمل الجمعوي، في خطوة وصفها متابعون بأنها “إعلان غير رسمي لحالة استثناء قانونية”.

تأتي هذه التطورات في ظل وضع اقتصادي واجتماعي متأزم، حيث يواجه المواطن المغربي موجة غلاء غير مسبوقة، وسط تفشي الاحتكار وضعف التدخل الحكومي لضبط الأسواق. كما أن تداعيات الزلزال الذي ضرب البلاد لا تزال قائمة، حيث يعاني المتضررون من ظروف معيشية قاسية بعد أكثر من عام ونصف على الكارثة، دون حلول جذرية تلوح في الأفق.

في ظل هذا الوضع، يرى مراقبون أن الحكومة، بدلًا من العمل على معالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين، تتجه نحو تعزيز سيطرة الأوليغارشية المالية، والدفاع عن الفساد والريع وتضارب المصالح، وهو ما قد يؤدي إلى تعميق مشاعر الغضب الشعبي وزيادة منسوب الاحتقان الاجتماعي.

إن التطورات الأخيرة تضع المغرب أمام مفترق طرق حاسم: إما تعزيز دولة القانون والمؤسسات عبر احترام الدستور وتقوية آليات المساءلة، أو المضي في نهج يهدد بتقويض المكتسبات الديمقراطية ويكرس واقع الفساد والإفلات من العقاب.

المواطن المغربي يترقب، والمستقبل السياسي يظل مفتوحًا على كل الاحتمالات.

بقلم: محمد الغلوسي

شارك المقال
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة