إرجاع هشام المهاجري إلى المنفى السياسي القسري؟!!

Admin242 أغسطس 202517 مشاهدة
إرجاع هشام المهاجري إلى المنفى السياسي القسري؟!!

قبل أن يسقط طريح الأرض، بدأ يرقص رقصته المعتادة، كان جناحه ممدود والآخر مرفوع، يعربد، يزمجر، يلعن من حوله، ظن البعض أنه يرسل بها رسائل لإثبات مكانته وقوته، لكن الحقيقة أن تلك كانت رقصته الأخيرة قبل أن يودع القفص الذي قضى فيه سنوات قليلة .. بطلا، مزيفا و مقيدا بصلاحيات محدودة ومسجونا في مساحة ضيقة، حيث قالوا له: “تلك حدودك لا تتجاوزها”، ومع ذلك كان راضيا لأن حلمه تحقق بوضع تاج السلطة والشهرة فوق رأسه، نعم كان مرفوع الرأس لكنه مذبوح، يتمايل يمينا ويسارا لا يعرف أين يخطو ولا أين ستسقط رأسه.
تلك هي قصة الديك المذبوح …

يشكل الخطاب السياسي أحد المحددات الأساسية في تشكيل علاقة المواطن بالمؤسسات، إذ لا يقتصر دوره على تأطير النقاش العمومي وإنما يساهم في بناء صورة الدولة ورمزية مسؤوليها في الوعي الجماعي للمجتمع، فحين تسود النزعة الشعبوية على أساليب الخطاب البرلماني والسياسي، يتوارى النقد الرصين أمام التهجم العشوائي الذي يستهدف الأشخاص والمؤسسات، مما يؤدي إلى تراجع مستوى الثقة في المؤسسات ويعرض استقرار النظام المؤسسي للاهتزاز، من هذا المنظور يقتضي الأمر تحليل بعض الممارسات الخطابية التي لا زالت تصدر عن فاعلين برلمانيين مثل العقيب الذي أدلى به النائب البرلماني هشام المهاجري ردا على وزير الصحة وكلامه على الأطر التمريضية، والوقوف عند التداعيات العميقة لهذا النمط من الخطاب على السلوك الاجتماعي والنظرة العامة إلى المؤسسات العمومية.

بالأمس، وفي سياق الجدل السياسي والاحتقان الاجتماعي، وبينما اضطر سكان دوار زاوية شرقاوة بجماعة آيت هادي إلى قطع 17 كيلومترا سيرا على الأقدام نحو عمالة شيشاوة احتجاجا على انعدام الماء الصالح للشرب، بما يعكس غياب الثقة في الوساطة السياسية، اختار النائب البرلماني السيد هشام المهاجري أن يوجه سهام سخريته إلى وزير الصحة في مشهد يعكس تراجع مستوى الجدية والمسؤولية في الخطاب السياسي داخل المؤسسة التشريعية.

فما قاله السيد النائب البرلماني هشام المهاجري في حق وزير الصحة حين قارن جوابه بجواب ChatGPT، يتجاوز حدود النقد المشروع الذي يفترض أن يمارسه ممثلو الأمة اتجاه الحكومة، ليدخل في دائرة المساس برمزية المنصب العمومي وإضعاف هيبة المؤسسة الوزارية نفسها، فالانتقاد مطلوب بل ضروري في دولة ديمقراطية تحترم نفسها، غير أن خطورته تكمن حين يمارس بمنطق التقليل من القيمة المؤسسية للمسؤول، وتحويل النقاش من مضمون الأداء إلى احتقار صاحب المنصب، وكأننا أمام شخص عديم الكفاءة والمهنية، فهذا ليس مجرد سجال عابر وإنما مدخل خطير لتهشيم صورة الدولة لدى الرأي العام وتحريض المجتمع بشكل غير مباشر على التمرد على رموز مؤسسات الدولة، حيث حينما يسقط الخطاب البرلماني في الشعبوية السطحية التي تلهث وراء تصفيق الجمهور والفرجة الإعلامية وجمع عدد أكبر من المشاهدات، يصبح الأداء السياسي نفسه مصدرا لخلق فجوة عميقة بين المواطن ومؤسساته، لأن المواطن الذي يسمع نائبا برلمانيا يقول إن جواب الذكاء الاصطناعي أفضل من جواب الوزير، سيتساءل تلقائيا: إذا كان الوزير بهذا الضعف فما جدوى مؤسسات الدولة؟

إن استمرار هذا النوع من الخطاب يكرس مع الوقت ثقافة احتقار المؤسسات وفقدان الثقة في قدرة الدولة على الإصلاح والتغيير، في حين أن الأسس الديمقراطية تقتضي مسائلة ومحاسبة الوزير ونقد أدائه ومطالبته بتحسين عمله دون السقوط في التهكم الذي يهدم أكثر مما يصلح، لأنه في النهاية سيفضي هذا السلوك إلى إضعاف ثقة المواطنين في الدولة ومؤسساتها، وبالمقابل تشجيع العنف الرمزي ضد المسؤولين العموميين وربما ننتقل مستقبلا إلى لغة التهديد، كما سيؤثر سلبا على صورة النخبة السياسية نفسها بحيث تصبح جزءا من مشهد مسرحي يقوم على السخرية وليس على تقديم سياسة مسؤولة وبناءة، فيخلق لنا بذلك جيلا من المواطنين فاقدين لثقافة التقدير للمسؤولية العمومية، وهذا أخطر ما يمكن أن يصيب الدولة الساعية للتنمية في ظل الاستقرار.
إن الأمر لم يتوقف عند ضرب المؤسسات وزعزعة الثقة فيها، بل تمادى اليوم إلى تحقير الكفاءات الوطنية والإساءة المباشرة للأطر التمريضية الذين يشتغلون في ظروف قاسية لخدمة الوطن والمواطنين، لقد تحول الخطاب السياسي عند هذا النوع من المنتخبين إلى أداة للتجريح والتبخيس، بدل أن يكون صوتا للتقدير والتحفيز، وبما أنه يتحدث بلغة الإثارة الفارغة لا بلغة المؤسسات والأحزاب المسؤولة سيؤدي هذا الخطاب إلى تخريب الرصيد الرمزي لمؤسسات الدولة ومواردها البشرية، وهذا يسائله ويسائل قيادة حزب الأصالة والمعاصرة: هل تتبنى هذا النوع من الخطاب وتعتبره جزءا من فلسفتها السياسية؟ أم أنه حالة شاذة في صفوفها يتوجب التنصل منها بشكل واضح وإرجاع صاحبها إلى المنفى السياسي القسري مع إعادة الاعتبار للأخلاقيات السياسية ولمكانة مؤسسات الدولة ومواردها البشرية ؟ وهل النائب البرلماني هشام المهاجري يدرك فعلا أن ما يصدر عنه له تداعيات غير مباشرة تمس تماسك الجبهة الداخلية؟ أم أن هذا يدخل ضمن إستراتيجية الإلهاء في ظل الإستهدافات التي طالت قيادات الحزب، وبه هل فضل سمعة الحزب السياسية على مكانة مؤسسات الدولة؟ اليقين الثابت هو أن الخريطة السياسية في المغرب لاتقف عند مقعد برلماني واحد أو إثنين أو حتى عشرة ، فهي أعمق من لغة الأعداد ..

على خلاف الخطاب الشعبوي الذي يعتمده النائب المحترم، والذي ينطوي على تهكم مفرط يقلل من قيمة المؤسسات ومسؤوليها ومهنييها، بما قد يسهم – ولو عن غير قصد – في إضعاف منسوب الثقة في مؤسسات الدولة، نجد نماذج سياسية رصينة مثل البرلماني السابق عمر بلافريج والبرلماني الحالي عبد الله بوانو اللذين رسخا خطابا مسؤولا يعتمد على الحقائق والأرقام، ويؤسس للنقاش البناء الذي يساهم في تطوير الأداء الحكومي وتحسين الخدمة العمومية، هؤلاء السياسيون يدركون أن النقد يجب أن يكون أداة للإصلاح لا سلاحا لتفكيك البنية المؤسساتية، ونجدهم يحرصون دائما على احترام الرمزية التي تحملها المؤسسات والمسؤوليات العامة، لأنهم يعلمون أن احترام هذه الرمزية هو السبيل للحفاظ على استقرار المؤسسات وثقة المواطنين، في المقابل يفتقد خطاب البرلماني هشام المهاجري هذا الوعي الجاد ويغوص في الشعبوية المبتذلة التي لا تنتج إلا المزيد من الانقسامات والتشنجات المجتمعية، ما يجعل من هذا الفعل نموذجا مضرا للديمقراطية وللحياة السياسية النبيلة التي يحتاجها الوطن.

إذا كان النائب المحترم من خلال مداخلته قد يسعى بعد عودته إلى استعادة موقع رمزي له في المشهد السياسي، فإن الوسيلة التي اختارها تنطوي على خطأ منهجي وسياسي جسيم، ذلك أن المساس برمزية المؤسسة الوزارية أو الحط من مكانة موظفيها – الذين يعدون شريانها النابض بالعطاء والوفاء للوطن- ، لا يعيد الاعتبار له ولا يكسبه شرعية مفقودة، بل بالعكس من ذلك يساهم في تكريس أزمة الوساطة بين المواطن والدولة، فالخطاب الذي يهين المؤسسات أو يصغر من شأن موظفيها تحت غطاء النقد لا ينتج إلا هشاشة بنيوية في العلاقة بين السلطة والمجتمع، ويفتح الباب أمام مزيد من التفكك في الثقة العمومية التي تعد حجر الأساس في التنمية المنشودة، ومن هنا يبدو أن هذا النوع من الخطاب الشعبوي لا يخدم لا الأحزاب ولا الدولة و إنما يعمق مساحات الانفصال الرمزي بين المواطنين ومؤسساتهم مما يجعل العملية السياسية تزيغ عن الهدف المنشود لها.

إن المطلوب اليوم من الفاعلين السياسيين أن يتبنوا نهجا واعيا يميز بوضوح بين النقد البناء الذي يعزز من ثقة المجتمع بمؤسساته وبين الترهات الشعبوية التي تغذي انقسامات المجتمع وتضعف الثقة بين المواطن ومؤسساته.

إن الإدراك أن المسؤولية مشتركة وأن النقد يجب أن يكون رافعة لتقوية النسيج المؤسساتي لا أداة لتقويضه يشكل ضرورة حتمية في المشهد السياسي المستقبلي ، ففي ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها الدولة على المستويات الأمنية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، فإن أي تآكل في ثقة الشعب بمؤسساته قد يفضي إلى تداعيات خطيرة تهدد الأمن المجتمعي والاستقرار السياسي، لذلك فإن استشراف المستقبل يستدعي تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل بين الفاعلين السياسيين وممثلي مؤسسات الدولة، مع التركيز على بناء آليات نقدية مؤسساتية فعالة تسمح بتقييم ومحاسبة الأداء الحكومي والمؤسساتي دون الإضرار بالهيبة الرمزية لها، لأن نجاح مشاريع الدولة التنموية مرهونان بمتانة مؤسساتها وتحفيز أطرها وموظفيها وبالمقابل بثقة المواطنين فيها.

إن التساهل في مواجهة الخطاب الشعبوي العدمي، والسماح له بالتمدد داخل الفضاء السياسي، لا يمثل فقط خطرا على جودة النقاش العمومي، بل يفتح بابا خطيرا على مصراعيه نحو العبث المنهجي بهيبة الدولة ومؤسساتها، باب قد يصعب إغلاقه دون كلفة اجتماعية وسياسية باهظة.
لهذا نتساءل اليوم بجدية: هل ما زال لمثل خطاب النائب المحترم هشام المهاجري مكان في المشهد السياسي المغربي، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة من مغرب المونديال التي تتطلب خطابا مسؤولا ونخبا مؤهلة و قادرة على مواكبة التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة المغربية الشريفة.
إن مغرب مونديال 2030، ومغربTGV ومغرب العدالة المجالية والانتقال الرقمي، يحتاج إلى نخب حقيقية من الشباب ، من الدكاترة والمهندسين، والأطر الصحية، والباحثين، والمختصين في المالية العمومية، وفي السياسات الترابية المجالية و الديبلوماسية الناعمة والرقمنة … من أجل تقليص الفوارق المجالية بين جهات المملكة والرقي بمكانة المغرب دوليا، لأن مغرب الغد سيتحدث لغة واحدة هي لغة التنمية لا لغات السياسة المتقلبة، هذه هي الرسالة الواضحة التي استنبطناها من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للأحزاب الوطنية في خطاب العرش بمناسبة الذكرى 26 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين.

أما رسالتنا إلى السيد النائب البرلماني المحترم مولاي هشام المهاجري، فهي: إزرع ورود الأمل في طريق المغرب بدل نثر أشواك التيئييس، ودافع بخطاب يجمع ولا يفرق، وابتغي المصلحة العامة ولا تكن سببا في تغذية مشاعر الحقد على مؤسسات الوطن، ولا تغرنك الأيام التي جلست فيها على رأس لجنة الداخلية بمجلس النواب، فهي لا تعترف بأبناء ليس من صلبها، واعلم أن أي مساس بالهيئة الصحية أو استهداف قد يتعرض له أفرادها من طرف مواطنين جرى شحنهم نفسيا وسلوكيا بفعل خطابك السياسي، فإنك تتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية، أما الأحزاب السياسية فعليها السعي سريعا إلى وضع حد لهذا الانفلات الخطابي اللامسؤول والممنهج الذي يهدد السلم الاجتماعي ويسيء إلى صورتي العمل المؤسساتي و السياسي .

● هذا التحليل لم نقل فيه إلا القليل وصمتنا عن الكثير… وهو لا يستهدف الشخص بذاته، بقدر ما يناقش ويحلل الظاهرة السياسية، حيث يندرج في إطار السعي للمساهمة في تأطير النقاش العمومي حول مسؤولية الفاعل السياسي في صون هيبة المؤسسات، احترام كرامة موظفيها والحفاظ على صورة الدولة أمام الرأي العام.

شارك المقال
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة