يشكل العمل الجمعوي اليوم أحد أعمدة التحول المجتمعي في المغرب، فهو المجال الذي تتقاطع داخله أسئلة المواطنة، ومسارات التنمية، ورهانات السياسة المحلية، وفي مراكش المدينة التي تنبض بتاريخها وبقدرتها الدائمة على إعادة إنتاج ذاتها اتخذ هذا العمل بعدا خاصا، إذ غدا مرآة تعكس تحولات المجتمع المراكشي ومختبرا حقيقيا لابتكار صيغ جديدة للتفاعل والترافع المدني، حيث لم تعد الجمعيات مجرد ضمادات تسعف في لحظات الحاجة وإنما صارت فضاءات حية ومستقلة لصناعة الوعي، ومدارس لإعادة تشكيل العلاقة بين الفرد و الدولة، ومنصات تفرز نخبا سياسية جديدة تمتلك حسا وطنيا يزاوج بين المعرفة والنزاهة وبين فهم التفاصيل اليومية واستيعاب التحولات الكبرى التي ينبني عليها المشهد العام والمحلي.
وسط هذه الدينامية برزت أسماء أكاديمية استطاعت أن تغير ملامح العمل الجمعوي وتنقله من الارتجالية إلى البناء المؤسسي، ومن المبادرة المحدودة إلى الرؤية الممتدة، ومن بين هذه الأسماء يبرز بقوة إسم الدكتور محمد فاضل فاروق و إسم الدكتور ياسر اليعقوبي، اللذان شكلا معا نموذجا فريدا في الجمع بين الفكر المتأصل والممارسة الجادة، بين العمق النظري والحضور الميداني، وبين الحس السياسي ورصانة الفعل التطوعي.
لقد رآهم الجميع عندما دخلا إلى المشهد الجمعوي وهما يحملان قناعة راسخة مفادها أن الفعل المدني لا يكتمل إلا حين يستند إلى معرفة دقيقة ودماثة الخلق ونظافة اليد، وأن خدمة المجتمع لا تتجسد فقط عبر المبادرة وإنمل عبر المنهج المؤسساتي الذي يحول العطاء إلى أثر مشهود، ومن هذه القناعة انطلقت تجربتهما لتعيد إلى العمل الجمعوي عمقه الفكري وترفعه من دائرة الأنشطة العابرة إلى رحاب المعرفة المنتجة.
ففي زمن كان فيه العمل الجمعوي مجرد اجتهاد فردي أو حماس جماعي جاء حضورهما ليزرع ثقافة جديدة تؤمن بأن المجتمع لا يخدم بالارتجال بل بالتخطيط المحكم، وبأن المبادرات لا تتحقق قوتها بالكثرة وإنما بالمستوى وبأن الفاعل الجمعوي حين يكون مسلحا بالعلم والمعرفة يصبح أكثر قدرة على قراءة المجتمع وأكثر وعيا بتحدياته وأكثر وعيا باحتياجات المواطنين وآمالهم.
وتشهد القاعات والمسارح والمركبات أن الدكتوران حولا العمل الجمعوي في مراكش إلى مجال للتأطير العميق فكانا يفتحان أمام الجميع بدون خلفية كيفما كانت آفاقا جديدة للتفكير، ويضعان بين أيديهم الأدوات التي تجعلهم قادرين على تحويل الحلم إلى مشروع، والمشروع إلى رؤية مستدامة، ولم يكن حضورهما مجرد مساهمة عابرة بقدر ما كان بناء هادئا متدرجا، لأنهما آمنا بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الإنسان قبل المؤسسة، ومن الفكرة قبل الفعل.
نعم لقد أسهما من موقعهما الأكاديمي والخبرة السياسية التي راكماها في إعطاء العمل الجمعوي بعدا جديدا يقوم على القدرة على التأثير في السياسات العمومية، وعلى جعل صوت المجتمع جزءا من صناعة القرار المحلي، وعلى تحويل الجمعيات من منصات للنشاط إلى فضاءات للتفكير والإبداع والاقتراح.
وفي ضوء هذا المسار المتراكم تبدو تجربة الدكتور محمد فاضل فاروق والدكتور ياسر اليعقوبي أقرب إلى تمهيد هادئ لمرحلة أكبر قادمة، مرحلة يتجه فيها العمل الجمعوي بمراكش نحو أفق جديد يغدو فيه الفاعل المدني جزءا من صناعة التحول لا مجرد شاهدا عليه، فالوعي الأكاديمي الذي ينتهجانه ، والروح التطوعية والديمقراطية التشاركية التي جسداها فعلا وقولا تنبئ بأن المدينة الحمراء مقبلة على مشروع نوعي يعيد ترتيب علاقة الفاعل المدني بمؤسسات الدولة وبالمجالس المنتخبة على أساس المواطنة الحقة و العمل المشترك الهادف، حيث يؤسس لنموذج مراكشي متجدد يستثمر في الجيل الجديد من الشباب و النساء في أفق بناء مجتمعي واع يكون في مستوى دستور 2011 و الرؤية الملكية السامية.















