حينما يعجز وزير العدل عن تقديم مرافعة دستورية… ويستبدلها بـ “لغة التقاشر”

Admin2420 مايو 20259 مشاهدة
حينما يعجز وزير العدل عن تقديم مرافعة دستورية… ويستبدلها بـ “لغة التقاشر”


كنا ننتظر من السيد وزير العدل، ومعه بعض البرلمانيين الموالين له، أن يشحذوا أدواتهم القانونية والدستورية والحقوقية للدفاع عن المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية. كنا ننتظر مرافعة رصينة ومؤسسة على أرضية صلبة، تُقنع نواب الأمة والرأي العام بوجاهة موقف الحكومة، وبأهمية وراهنية التصويت على هاتين المادتين. لكن للأسف، لم يحدث شيء من ذلك.

ما حدث داخل قبة البرلمان كان أشبه بعرض مرتجل بلغة “المعاطية” و”المعيار”، استُحضر فيه قاموسٌ مستلهم من العبارة الشهيرة “أنا كنعرف اللون ديال التقاشر ديالك”، في محاولة يائسة لإقناع الرأي العام بامتلاك “معطيات خطيرة” ضد جمعيات حماية المال العام. إنه أسلوب مفضّل لدى البعض لتهريب النقاش الجدي، وصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية التي تهم المجتمع ومصيره.

ومن موقعي كرئيس للجمعية المغربية لحماية المال العام، أطالب السيد الوزير بالكشف عن تلك الجرائم الخطيرة التي يدّعي علمه بها، وأن يبلغ بشأنها القضاء بدل التستر عليها. لأن التستر على الجريمة يضع صاحبه موضع مساءلة قانونية. فإذا كان الأمر يتعلق بجرائم كالرشوة والابتزاز والنصب، فليتقدم الضحايا بشكايات أمام الجهات المختصة، وليُفتح التحقيق، وليُعاقب كل متورط، كيفما كانت صفته.

وفي المقابل، أتساءل.. ما رأي الوزير في بعض الأحزاب التي تمارس الابتزاز السياسي، وتستغل هشاشة المجتمع لاستمالة الناخبين عبر توزيع الأموال المشبوهة، فقط لحصد المقاعد البرلمانية التي تصبح بعد ذلك، منصة للتشهير والشعبوية وخدمة المصالح الخاصة؟ ماذا عن أولئك الذين جاؤوا إلى السياسة بلا مأوى، وانتهى بهم المطاف أثرياء دون تفسير؟ ماذا عن الأحزاب التي يعرفها الوزير جيداً، والتي يذود عنها باستماتة، رغم تورط بعض قادتها في جرائم الاتجار الدولي في المخدرات وتبييض الأموال واختلاس المال العام والتهرب الضريبي؟ هل يملك الوزير الجرأة للحديث عن كل هذا من داخل قبة البرلمان، بنفس الحماس الذي هاجم به جمعيات المجتمع المدني؟

نعم، من حقكم أن تتكلموا كما شئتم، فالزمن منحكم الكلمة والمنبر. ومن حقكم أن تهيئوا التشريعات لحماية من تعتبرونهم “أسيادكم”، وأن تمارسوا كل ما في جعبتكم من ضغوط لمنع التبليغ عن جرائم المال العام، بل وحتى السعي إلى حل الجمعيات وإنهاء “ضجيجها” إلى الأبد. فالجمعيات، في نظركم، حائط قصير.

لكن الشيء الوحيد الذي لا تقدرون عليه، ولن تجرؤوا على فعله، هو فتح ورش مكافحة الفساد الحقيقي:

_ تجريم الإثراء غير المشروع

_ تضارب المصالح

_ مراجعة قانون التصريح الإجباري بالممتلكات

_ إرساء استراتيجية وطنية للوقاية من الفساد

_ وضع آليات حقيقية لاسترجاع الأموال المنهوبة

_ ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب

كلها مواضيع لن تطرقوا بابها، لا في البرلمان ولا خارجه. ما تجيدونه حقاً، هو تكميم الأفواه ومطاردة الآراء في الفضاء الرقمي ومحاربة الجمعيات النزيهة، وإن اقتضى الأمر، دعوة من لا يعجبكم إلى “إفراغ البلاد”.

هي بلادكم على ما يبدو… ونحن مجرد جمهور يتابع.

بقلم: محمد الغلوسي

شارك المقال
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة