
✍️ بقلم: محمد الحجوي
في زوايا معتمة من بعض الحظائر والمزارع، تُطعم الماشية ما لا يُؤكل. أكوامٌ من النفايات المتعفنة تتحول إلى “أعلاف”، في مشهد يجمع بين العبث والإجرام. وكلّما ازدادت أسعار العلف، ازدادت شهية البعض إلى استخدام البدائل الرخيصة، ولو كانت القمامة نفسها. والنتيجة؟ لحومٌ وألبانٌ ملوّثة تتسلّل إلى موائدنا، حاملة في طيّاتها بذور الموت الصامت.

منذ عقود، يحذر العلماء من خطر تغذية الحيوانات بالنفايات، لما تحتويه من بكتيريا قاتلة كـ“السالمونيلا” و“الإشريكية القولونية”. هذه الجراثيم لا تُظهر نفسها فورًا، بل تبدأ هجومها الخفي على أجهزة الإنسان الحيوية، وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة كالفشل الكلوي، والتسمم الغذائي، والشلل. والأسوأ؟ أن اكتشافها غالبًا ما يكون متأخرًا، بعد أن تكون الأعضاء قد تضررت بالكامل.
المأساة الحقيقية لا تكمن فقط في الفعل الإجرامي، بل في التراخي الذي يرافقه. غياب الرقابة الصارمة عن بعض الضيعات والأسواق العشوائية يفتح الباب واسعًا أمام هذا الانحراف، بينما يظلّ المستهلك ضحية الغش، يجهل حجم ما يتسلل إلى جسده من سموم.
فكم من وجبةٍ نتناولها بثقة، وهي في الحقيقة قنبلةٌ موقوتة؟ وكم من طفلٍ يحتسي كوبًا من الحليب الملوّث، بينما نعتقد بسذاجة أنه مصدرٌ للتغذية والنمو؟
لقد آن الأوان لوقف هذا العبث. فالصحة العمومية ليست ملفًا ثانويًا، بل أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل. ويبدأ الحل بتشديد العقوبات على كل من يعبث بأمننا الغذائي، مع تفعيل رقابة ميدانية صارمة، وإطلاق حملات تحسيسية ترفع من وعي المستهلك بخطورة ما يجري في الخفاء.
فكل دقيقة تمر دون تدخل، هي رخصة إضافية لتمرير مزيد من السموم. ومتى غابت المحاسبة، حضر المرض… وصمتت العدالة.
Be the first to comment