محمد الحجوي
تستيقظ ذاكرة المكان مع أولى نسائم الخريف، لتعيد الحياة إلى سوق الزيتون العطاوية، ذلك الملتقى التراثي الذي يختزل في زواياه عبق الماضي وروح الحاضر. مع بزوغ فجر الموسم الجديد، تتهافت الأنفس الشغوفة بالزيتون نحو هذا السوق العتيق، حاملة معها تقاليد متوارثة وأسواقاً تبحث عن الجودة والتميز.
تتنوع عروض السوق بين الزيتون الملقط من الأرض الذي يحافظ على سعره المتواضع عند 3 دراهم للكيلو، مروراً بالزيتون الطحين الذي يبلغ سعره 5 دراهم، وصولاً إلى الزيتون المشقوق المتوسط بسعر 6 دراهم، بينما يصل سعر الزيتون المشقوق الغليظ إلى 7 دراهم للكيلو. هذه التصنيفات الدقيقة تعكس خبرة متوارثة في التعامل مع شجرة الزيتون المباركة.
تتراقص حبات الزيتون بأنواعها وألوانها في هذا السوق، فمنها الأخضر الفاتح، والأسود المائل إلى البنفسجي، والأخضر المائل إلى الاصفرار، كل منها يحمل قصة مختلفة ونكهة مميزة. يتحول السوق إلى لوحة فنية طبيعية تجسد جمال التنوع البيولوجي والثقافي في المنطقة.
يقف الباعة كحراس لهذا التراث، يقدمون شرحاً وافياً لأنواع الزيتون وطرق تخليله واستخداماته. تتداخل أصواتهم مع همهمات الزبائن وضحكات الأطفال، مشكلة سيمفونية بشرية تعكس حيوية المكان. يبدو كل بائع كخبير مختص يعرف أسرار منتجه وخصائصه.
تمثل هذه الأسعار المتدرجة نسيجاً اجتماعياً واقتصادياً متماسكاً، حيث يستطيع الجميع من مختلف الشرائح الاجتماعية الحصول على ما يناسبهم من هذا المنتج الأساسي في المطبخ المغربي. إنه توازن دقيق بين القيمة الاقتصادية والقيمة الاجتماعية للزيتون في حياة الناس.
يشكل السوق وجهة لا تقتصر على التسوق فقط، بل تمتد لتكون فضاء للتواصل الاجتماعي وتبادل الأخبار والأحاديث. تتداخل فيها حكايات المزارعين مع طلبات ربات البيوت، وتختلط نصائح كبار السن بفضول الشباب، في مشهد إنساني نادر.
مع كل موسم جديد، يثبت سوق الزيتون العطاوية أنه أكثر من مجرد مكان لبيع وشراء السلع، إنه حافظة للذاكرة الجماعية، ومساحة للهوية الثقافية، وشاهد على استمرار التقاليد في عصر العولمة. إنه المكان الذي تلتقي فيه روائح الماضي بنبض الحاضر، لترسم ملامح مستقبل يحافظ على الأصالة ويتطلع نحو التطور.















