الكحلاوي إدريس
لم يكن البلاغ الصادر عن المجلس الإقليمي للسياحة بورزازات مجرد ردّ تقني على فيديو للمراحيض الذكية بمراكش، بل كان انزلاقا مؤسساتيا لا يليق بمرفق عمومي يُفترض أنه يشتغل داخل رؤية وطنية موحّدة. فالبلاغ، بصيغته التي أثارت الكثير من الجدل، تعامل مع ظهور صورة قصبة آيت بنحدو داخل فيديو مصوَّر بمراكش كما لو أنه تجاوز يستوجب التنبيه، وكأن الأمر يتعلق بملكية حصرية أو تنافس إقليمي غير معلن.

وهنا يكمن جوهر الإشكال: عندما تتحوّل رموزنا التراثية إلى موضوع حساسية بدل أن تكون عنواناً لوحدة الهوية السياحية المغربية.
الفيديو الذي أثار النقاش صُوِّر في مراكش، ويعرض مشروعاً قائماً في المدينة، ولا يروّج لورزازات من قريب أو بعيد. ووجود لقطة لقصبة آيت بنحدو—وهي إحدى أيقونات التراث المغربي العالمي—لا يمسّ بمراكش ولا ينتقص من ورزازات، بل يؤكد حقيقة بسيطة: المغرب بلد واحد، وتراثه واحد، وصوره جزء من ذاكرة جماعية لا تقبل التجزئة.
إن مراكش، بما تمتلكه من ثقل سياحي عالمي، لا تحتاج إلى استعارة رمز أو معلمة من أي مدينة أخرى. هي في حد ذاتها خزان ضخم للتراث والمآثر، وغالباً ما تكون أول نافذة يدخل منها السائح إلى المغرب قبل أن يكتشف باقي المدن. ولا جدال في أنها إحدى أقوى العلامات السياحية على المستوى الدولي، وغنى معالمها لا يحتاج إلى أدلة.
أما ورزازات، بكل رصيدها الثقافي والسينمائي والتاريخي، فهي ليست منافساً لمراكش، ولا مراكش منافساً لها. فمنذ سنوات طويلة، يشكّل انتقال السياح من مراكش نحو ورزازات واحداً من أنجح المسارات السياحية في البلاد. بل إن عشرات وكالات الأسفار في قلب مراكش تعيش أساساً على الترويج لورزازات: قصبتها، وواحاتها، واستوديوهاتها، ومساراتها الصحراوية.
فكيف يصدر بلاغ يوحي بأن ظهور صورة لقصبة آيت بنحدو ضمن فيديو دراسي أو ترويجي يمكن أن يثير “ارتباكاً”؟ وأي ارتباك يتحدث عنه البلاغ أصلاً؟ وهل باتت المعالم المغربية تحتاج إلى إذن لتمثّل بلادها بصرياً داخل أي محتوى؟
الخلل هنا ليس في الصورة…
الخلل في قراءة الصورة.
الترويج السياحي ليس ملكاً لجهة دون أخرى، ولا يتحمل نزعات الانغلاق المحلي. إنه ورش وطني، يقوم على التكامل، وعلى جعل قوة مراكش قوة لورزازات، وقوة ورزازات قوة لمراكش. وعندما تنجح مدينة مغربية في لفت أنظار العالم، فإن المدن الأخرى تربح تلقائياً، بحكم أن صورة البلد في ذهن السائح تتشكل بشكل شامل لا مجزّأ.
البلاغ، بصيغته المتسرعة، قدّم نموذجاً لما يجب تفاديه:
خطاب يغذّي حساسيات مجانية لا تخدم السياحة ولا الاقتصاد ولا صورة المغرب.
والمطلوب الآن ليس الدفاع عن مراكش ولا عن ورزازات، بل الدفاع عن فكرة أبسط وأكبر:
المغرب ليس خارطة تتقاطع فيها المصالح، بل وجهة واحدة، متعددة الوجوه، لكنها منسجمة في روحها وتاريخها وهويتها.
إن المستقبل السياحي للمملكة لن يُبنى على بلاغات تقسم المدن، بل على رؤية ترفعها معاً.















