خنيفرة – يخلد الشعب المغربي وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير ،بعد غد الاثنين، الذكرى السابعة بعد المائة لمعركة الهري المجيدة، تلك الملحمة الباسلة للكفاح الوطني المستميت الذي خاضه المغاربة في مواجهة حملات توسع الجيوش الأجنبية الغازية لبسط سيطرتها على منطقة الأطلس المتوسط سنة 1914.
وما تزال هذه المعركة الخالدة رغم مرور أزيد من قرن عن وقوعها تشكل “مدرسة للوطنية” لأجيال الحاضر والمستقبل، وتجسيد لأروع مواقف البطولة والشهامة والإيثار في مواجهة الاحتلال الفرنسي، ومعلمة مضيئة في تاريخ الكفاح الوطني، برهنت بجلاء عن مدى صمود الشعب المغربي في مواجهة الوجود الأجنبي والاستيطان الاستعماري على إثر فرض عقد الحماية سنة 1912.
وقد مثلت تلك المعركة التاريخية محطة مضيئة في مسار المقاومة الباسلة، قادها البطل المقاوم موحا وحمو الزياني رفقة أهل زيان والقبائل الأمازيغية المتحالفة، في أروع صور الاستبسال والتضحية والشهامة والإيمان القوي بوحدة الصف والدفاع عن حوزة الوطن في وجه المحتل، الذي شكلت بالنسبة له فاجعة كبرى دفعته إلى إعادة حساباته، وجعلت المغاربة أكثر إصرارا على التشبث بوحدتهم وتعزيز تضامنهم من أجل تحرير البلاد من الاستعمار ، الذي أدرك حينها أن التحكم في مقدرات البلاد ومصادرة تطلعات الشعب المغربي إلى الحرية لن يقابلاهما سوى تأجيج المقاومة وتقديم مزيد من التضحيات العظام.
فبعدما تم احتلال السهول والهضاب والمدن الرئيسية، توجهت أنظار الإدارة الاستعمارية نحو منطقة الأطلس المتوسط، وبالضبط صوب مدينة خنيفرة لتطويقها وكسر شوكة مقاومتها، في أفق فتح الطريق بين الشمال والجنوب عبر هذه القلعة الصامدة، التي شكلت إحدى المناطق التي اتخذها المقاومون ساحة للنزال في مواجهة المستعمر الأجنبي.
وفي حمأة هذه الظروف العصيبة، انطلقت أولى العمليات العسكرية، وأنيطت مهمة القيادة بالجنرال “هنريس” الذي اعتمد في سياسته على أسلوب الإغراء، حيث حاول التقرب من قائد الجهاد موحى وحمو الزياني، الذي كان يرد بالرفض والتعنت والتصعيد في مقاومته.
حينئذ تبين للفرنسيين أن مسألة زيان لا يمكن الحسم فيها إلا عن طريق الحرب الباردة. وبالفعل، بدأت سلسلة من الهجومات على المنطقة، وترك “ليوطي” للجنرال “هنريس” كامل الصلاحية واختيار الوقت المناسب لتنفيذ هجوماته وعملياته العسكرية.
وقد تمكنت القوات الاستعمارية من احتلال مدينة خنيفرة، بعد مواجهات عنيفة. إلا أن الانتصار الذي حققته لم يمكنها من إخضاع موحى وحمو الزياني، الذي عمد إلى تغيير استراتيجية مقاومته، وإخلاء المدينة المحتلة تفاديا للاستسلام والرضوخ للإرادة الاستعمارية، وسعيا للاعتصام بالجبال المحيطة بخنيفرة، وبالضبط بقرية الهري قرب نهر اشبوكة، وفي انتظار أن تتغير الظروف، خاصة وأن أجواء الحرب العالمية الأولى أصبحت تخيم على أوروبا”.
ما إن ذاع خبر وصول موحى وحمو الزياني إلى قرية الهري حتى سارعت القيادة الاستعمارية إلى تدبير خطة الهجوم المباغت على المجاهدين، غير آبهة بالأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء. وفي هذا الوقت، قرر الكولونيل” لافيردير ” القيام بهجوم على معسكر المجاهدين، وكان ذلك ليلة 13 نونبر 1914.
لقد تم الإعداد لهذا الهجوم بكل الوسائل الحربية المتطورة، وبحشد عدد كبير من الجنود، حيث قام المحتل الأجنبي بتنفيذ خطته يوم 12 نونبر 1914 من خلال حرك بأربع فرق تضم 1300 جنديا، معززة بالمدفعية، وتوجه إلى معسكر الهري للقيام بهجوم مباغث على الدواوير وأماكن إقامة المجاهدين.